والذي حققه أبو جعفر الطحاوي أن النهي عن ثمن الكلب كان في الوقت الذي أمر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب كما ثبت في أحاديث كثيرة، ثم استثنى من القتل كلب الصيد والماشية والحراسة فجاز بيع هذه دون مطلق الكلاب.
قال الطحاوي:[إن الكلاب قد كان حكمها أن تقتل كلها ولا يحل إمساك شيء منها فلم يكن بيعها حينئذ بجائز ولا ثمنها بحلال] شرح معاني الآثار ٤/ ٥٣. ثم ذكر طائفة من الأحاديث في قتل الكلاب ثم قال:[فكان هذا حكم الكلاب أن تقتل ولا يحل إمساكها ولا الانتفاع بها فما كان الانتفاع به حراماً وإمساكه حراماً فثمنه حرام فإن كان نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب كان وهذا حكمها فإن ذلك قد نسخ فأبيح الانتفاع بالكلاب] ثم ذكر طائفة من الأحاديث التي تبيح الانتفاع بكلاب الصيد والماشية ثم قال: [فلما ثبتت الإباحة بعد النهي أباح الله عز وجلّ في كتابه ما أباح بقوله: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ) اعتبرنا حكم ما ينتفع به هل يجوز بيعه ويحل ثمنه أم لا؟ فرأينا الحمار الأهلي قد نهي عن أكله وأبيح كسبه والانتفاع به فكان بيعه إن كان هذا حكمه حلالاً وثمنه حلالاً وكان يجيء في النظرأيضاً أن يكون كذلك الكلاب لما أبيح الانتفاع بها حل بيعها وأكل ثمنها ويكون ما روي في حرمة أثمانها كان وقت حرمة الانتفاع بها وما روي في إباحة الانتفاع بها دليل على حل أثمانها. وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين] شرح معاني الآثار ٤/ ٥٧.
وذكر الشيخ الألباني في موضع آخر أن حديث جابر وهو:(نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد) قد رواه النسائي والبيهقي وهو على شرط مسلم وذكر له شاهدين ثم قال: [فلعل هذا الاستثناء يقوى بهذه الطرق والشواهد] التعليقات الرضية ٢/ ٣٤٧.
وذكر صاحب إعلاء السنن - ١٤/ ٤٨٦ فما بعدها - عدداً من الشواهد تتقوى بها هذه الأحاديث ويدل على أن الحديث الوارد في استثناء كلب الصيد لا يقل عن درجة الحسن وعليه فيجوز بيع الكلاب التي ينتفع بها في الحراسة والصيد وكلاب الأثر وغير ذلك.