خير القرون رضي الله عنهم مات فيهم خير الخلق وسيد البشر وخليل الرحمن النعمة المسداة والرحمة المهداة رسولنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يفعلوا ما فعله المتأخرون مع الصعاليك العظماء فدل ذلك على عدم مشروعيته إذ لو كان مشروعاً لفعلوه مع إمام العظماء نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وتقدم نقل الإجماع على أن الإحداد مما اختصت به النساء دون الرجال وهي إنما تحدّ على زوجها المتوفى عنها أربعة أشهر وعشراً أو على غيره ثلاثة أيام وأما ما سوى ذلك فهو من الإحداد الممنوع.
ولا شك أن تعطيل أعمال الناس لأجل موت أحدهم فيه إفساد لمصالح الأحياء وإهدار لطاقاتهم وربطهم بالموتى وكأن الحياة لا تصلح ولا تطيب إلا بمن فقدوا ومن جهة أخرى فإن هذا الإحداد المبتدع مما أخذه بعض المسلمين عن الكفار ومعلوم من نصوص الكتاب والسنة أن التشبه بهم ممنوع قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) والتشبه بهم من موالاتهم. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التشبه بهم فعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) رواه أحمد وأبو دواد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد هذا الحديث:[وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم] اقتضاء الصراط المستقيم ١/ ٢٣٦ أحكام الإحداد ص ٢٩ - ٣٠.
ومن الأمور التي أحدثها الناس في الإحداد امتناع أحدهم عن الزواج لمدة سنة بعد وفاة قريب له أو أكثر أو أقل، ومثل ذلك عدم حضورهم للأعراس بعد وفاة قريب لهم لمدة قد تطول أو تقصر حسب أهوائهم.
فكل ذلك ليس له أصل في الشرع والخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع.