فقد ورد في الحديث عن علي بن أبي طالب قال:(قلت يا رسول الله: إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرني؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا فيه رأي خاصة) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون من أهل الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد ١/ ١٧٨.
وروى الدارمي في سننه عن أبي سلمة الحمصي أن النبي- صلى الله عليه وسلم -: (سئل عن الأمر يحدث ليس في كتاب ولا سنة؟ فقال: ينظر فيه العابدون من المؤمنين) ورجاله رجال الصحيح، انظر شرح الدارمي ٢/ ٦٥.
وما أحسن ما قاله الإمام أحمد بن حنبل [لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال، أولها: أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور. والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة. والثالثة: أن يكون قوياً على ما هو فيه وعلى معرفته. والرابعة: الكفاية وإلا مضغه الناس. والخامسة: معرفة الناس] قال العلامة ابن القيم معلقاً على كلام الإمام أحمد: [وهذا مما يدل على جلالة أحمد ومحله من العلم والمعرفة فإن هذه الخمسة هي دعائم الفتوى وأي شىء نقص منها ظهر الخلل في المفتي بحسبه].
ثم شرح ابن القيم عبارة الإمام أحمد وأذكر بعض كلامه: [فأما النية فهي رأس الأمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى فإنها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع لها يبنى عليها يصح بصحتها ويفسد بفسادها ... وقد جرت عادة الله التي لا تبدل وسنته التي لا تحول أن يُلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضاء ما هو اللائق به فالمخلص له المهابة والمحبة وللآخر المقت والبغضاء.
وأما قوله أن يكون له حلم ووقار وسكينة فليس صاحب العلم والفتيا إلى شيء أحوج منه إلى الحلم والسكينة والوقار فإنها كسوة علمه وجماله