قال الماوردي:[فكان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضحاياه، لأنه كان بالمدينة وأنفذها مع أبي بكر - رضي الله عنه - سنة تسع، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم، فلما لم يحرم على نفسه شيئاً كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم] الحاوي ... الكبير ١٥/ ٧٤.
والذي يغلب على ظني ـ بعد طولِ تأملٍ وتفكرٍ ـ رجحان القول الأول لقوة أدلته ويظهر ذلك فيما يلي: أولاً: إن حديث أم سلمة خاص، وحديث عائشة عام، والخاص مقدم على العام.
قال الشيخ ابن قدامة:[وحديثهم عام وهذا خاص يجب تقديمه بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص] المغني ٩/ ٤٣٧.
وقال الشوكاني:[ولا يخفى أن حديث الباب - أي حديث أم سلمة - أخص منه - أي من حديث عائشة - مطلقاً فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ولكن على من أراد التضحية] نيل الأوطار ٥/ ١٢٨.
ثانياً: يجب حمل حديث عائشة على غير محل النزاع لوجوه منها:
أ. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروهاً، قال الله تعالى:(وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عنه) سورة هود الآية ٨٨.
ب. ولأن أقلَّ أحوال النهي أن يكون مكروهاً، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليفعل المكروه فيتعين حمل ما فعله في حديث عائشة على غيره.
ج. ولأن عائشة تخبر عن فعله - صلى الله عليه وسلم -، وأم سلمة تخبر عن قوله - صلى الله عليه وسلم -، والقول يقدم على الفعل، لاحتمال أن يكون فعله خاصاً له.
ثالثاً: إن ما قاله بعض أهل العلم بأن حديث أم سلمة موقوف؛ غير صحيح، بل هو حديث مرفوع، رفعه جماعة من المحدثين، وقد رواه مسلم مرفوعاً من وجوه:
أ. الرواية الأولى في صحيح مسلم بإسناده وفيها حدثنا سفيان ... قيل لسفيان: فإن بعضهم لا يرفعه. قال لكني أرفعه.