وقد بحث الفقهاء المعاصرون هذه المسألة بتوسع في الآونة الأخيرة وصدرت فيها فتاوى وبحوث علمية موثقة وقد ذهب أكثر العلماء المعاصرين إلى اعتبار هذه الحقوق مصونة شرعاً ويجوز شرعاً لأصحابها التصرف فيها بالبيع والشراء ولا يجوز الاعتداء على هذه الحقوق فيجوز للمؤلف أن يحتفظ بحق الطبع لنفسه كما يجوز له أن يبيع حقه هذا لصاحب دار نشر ولا يجوز لأحد أن يقوم بطبع كتاب ما لم يأذن مؤلفه أو ناشره إذا شرطا حقوق الطبع لنفسيهما وأما إذا أباحا ذلك للناس فلا بأس بطبعه ونشره كما يفعل بعض أهل العلم عندما يكتبون على كتبهم يجوز نشره لمن أراد توزيعه مجاناً ويدل على جواز ذلك ما يلي:
١. إن المنافع تعتبر أموالاً عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وهي من الأمور المعنوية ولا ريب أن الإنتاج الذهني يمثل منفعة من منافع الإنسان فيعد مالاً تجوز المعاوضة عنه شرعاً.
والمراد بالمنافع: هي ما يستفاد من الأعيان: كسكنى الدار وركوب السيارة ويدل على كونها مالاً أن طبع الإنسان يميل إليها كالأعيان فيسعى إلى اقتنائها ولأن العرف العام في الأسواق يعتبرها أموالاً ولأن الشارع اعتبرها أموالاً بدليل قوله تعالى على لسان شعيب عليه السلام لموسى عليه السلام: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) فالشارع أجاز أن يكون عمل الإنسان " المنفعة مهراً والأصل في المهر أن يكون مالاً بدليل قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) فتكون المنفعة مالاً.
٢. أن العرف العام جرى على اعتبار حق المؤلف في تأليفه وإبداعه، فأقر التعويض عنه والجائزة عليه ولو كان هذا الحق لا يصلح محلاً للتبادل والكسب الحلال لعدت الجائزة والتعويض عنه كسباً محرماً. ومن المعلوم أن العرف العام يعد مصدراً من مصادر التشريع إذا لم يتصادم مع نص شرعي أو أصل عام في الشريعة الإسلامية كما أن العرف له دخل كبير في