قال الإمام النووي في شرح الحديث السابق: [هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلاً من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك. وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقاً بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ولا هو منافق يخلد في النار فإن إخوة يوسف - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمعوا هذه الخصال. وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله. وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال ولكن اختلف العلماء في معناه. فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه وهذا المعنى الموجود في صاحب هذه الخصال ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وأئتمنه وخاصمه وعاهده من الناس لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر. ولم يرد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان منافقاً خالصاً معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال. قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالباً عليه. فأما من يندر ذلك منه فليس داخلاً فيه. فهذا هو المختار في معنى الحديث.
وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي - رضي الله عنه - معناه عن العلماء مطلقاً فقال: إنما معنى هذا عند أهل العمل نفاق العمل. وقال جماعة من العلماء: المراد به المنافقون الذين كانوا في زمن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحدثوا بإيمانهم وكذبوا واؤتمنوا على دينهم فخانوا ووعدوا في أمر الدين ونصره فأخلفوا وفجروا في خصوماتهم. وهذا قول سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ورجع إليه الحسن البصري رحمه الله بعد أن كان على خلافه وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم. وروياه أيضاً عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال القاضي عياض رحمه الله وإليه مال كثير من أئمتنا وحكى الخطابي رحمه الله قولاً آخر معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق. وحكى الخطابي رحمه الله أيضاً: عن بعضهم أن الحديث ورد في رجل بعينه منافق وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يواجههم بصريح