فمن أخرج شخصاً عن عبادة الله بقراءة القرآن فإننا نطالبه بالدليل وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنع، فإنها مأمورة بالقراءة. فإن قيل: ألا يمكن أن تقاس على الجنب بجامع لزوم الغسل لكل منهما بسبب خارج؟ أجيب: أنه قياس مع الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال، وأما الحائض فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع، وكذا فإن الحائض مدتها تطول غالباً، والجنب مدته لا تطول لأنه سوف تأتيه الصلاة، ويلزم بالاغتسال والنفساء من باب أولى أن يرخص لها، لأن مدتها أطول من مدة الحائض وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله مذهب قوي. ولو قال قائل: ما دام العلماء مختلفين، وفي المسألة أحاديث ضعيفة، فلماذا لا نجعل المسألة معلقة بالحاجة، فإذا احتاجت إلى القراءة كالأوراد، أو تتحفظ ما حفظته حتى لا تنسى، أو تحتاج إلى تعليم أولادها أو البنات في المدارس فيباح لها ذلك، وأما مع عدم الحاجة فتأخذ بالأحوط، وهي لن تحرم بقية الذكر. فلو ذهب ذاهب إلى هذا لكان مذهباً قوياً] الشرح الممتع ١/ ٢٩١ - ٢٩٢.
ثانياً: قراءة الحائض للقرآن من المصحف مع مسه: إن كثيراً من أهل العلم لا يجيزون للحائض أن تمس المصحف لقوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} سورة الواقعة الآية ٧٩. واحتجوا بما ورد في الحديث أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:(لا يمس القرآن إلا طاهر) رواه مالك والدارقطني والطبراني وغيرهم وقال عنه العلامة الألباني: [وجملة القول: إن الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعف، ولكنه ضعف يسير إذ ليس في شيء منها من اتهم بكذب، وإنما العلة الإرسال أو سوء الحفظ، ومن المقرر في علم المصطلح أن الطرق يقوي بعضها بعضاً إذا لم يكن فيها متهم كما قرره النووي في تقريبه ثم السيوطي في شرحه، وعليه فالنفس تطمئن لصحة هذا الحديث لا سيما وقد احتج به إمام السنة أحمد بن حنبل كما سبق، وصححه أيضاً صاحبه الإمام إسحق بن راهويه] إرواء الغليل ١/ ١٦٠ - ١٦٢.