ظهر له منها من غير زيادة ولا نقص إن كان المفتي مجتهداً، وإن كان مقلداً كما في زماننا فهو نائب عن المجتهد في نقل ما يخص إمامه لمن يستفتيه، فهو كلسان إمامه والمترجم عن جنانه. ونائب الحاكم في الحكم ينشئ من إلزام الناس وإبطال الإلزام عنهم ما لم يقرره مستنيبه الذي هو القاضي الأصلي، بل فوّض ذلك لنائبه، فهو متبع لمستنيبه من وجه، وغير متبع له من وجه. متبع له في أنه فوّض له ذلك وقد امتثل، وغير متبع له في أن الذي صدر منه من الإلزام لم يتقدم مثله في هذه الواقعة من مستنيبه بل هو أصل فيه. فهذا مثال الحاكم مع الله تعالى، هو ممتثل لأمر الله تعالى في كونه فوض إليه ذلك، فيفعله بشروطه. وهو منشئ لأن الذي حكم به تعيّن، وتعيُّنه لم يكن مقرراً في الشريعة، وليس إنشاؤه لأجل الأدلة التي تعتمد في الفتاوى، لأن الأدلة يجب فيها اتباع الراجح. وهاهنا له أن يحكم بأحد القولين المستويين على غير ترجيح ولا معرفة بأدلة القولين إجماعاً، بل الحاكم يتبع الحِجاج. والمفتي يتبع الأدلة. والمفتي لا يعتمد على الحجاج بل على الأدلة. والأدلة: الكتاب والسنة ونحوهما. والحِجاج: البيِّنة والإقرار ونحوهما. فهذا مثال الحاكم والمفتي مع الله تعالى، وليس له أن ينشئ حكماً بالهوى واتباع الشهوات بل لا بد من أن يكون ذلك القول الذي حكم به قال به إمام معتبر لدليل معتبر كما أن نائب الحاكم ليس له أن يحكم بالتشهي عن مستنيبه.] الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص٤٣ - ٤٥.
ومن الأمور المهمة التي يجب أن تكون معلومة للمستفتي أن القاضي والحاكم والمحكم مطلوب من كل منهم أن يستمع إلى الخصوم وإلى حججهم وأدلتهم ولا يجوز له أن يقضي قبل أن يسمع من الخصوم وهذا بخلاف المفتي فليس مطلوباً منه ذلك فالمفتي يجيب المستفتي حسب سؤاله فإذا أخفى المستفتي بعض المعلومات عن المفتي فإنما الإثم على المستفتي لا على المفتي.
إذا تقرر هذا فيجب أن يعلم أنه يحرم على المستفتي أن يتحايل على المفتي بصياغة السؤال بطريقة تؤدي إلى تضليل المفتي وخداعه ليحصل على الجواب الذي يريده، فالمفتي كالقاضي تماماً يفتي حسب الظاهر والفتوى لا