العربية، بل تناقض ما نصت عليه القوانين المدنية وقوانين التجارة وقوانين الجهاز المصرفي في هذه البلاد. فإن هذه الفتوى لا تطبق على ودائع البنوك. قد يكون البنك مقدم السؤال يطبق هذه الصيغة، ويتلقى الودائع بصفته وكيلاً عن المودعين في استثمار هذه الودائع في معاملاته المشروعة، وهذه مسألة ادعاء على واقع وتحتاج إلى إثبات!!! ومع ذلك فإن هذه الوكالة باطلة بالإجماع؛ لأن جميع عوائد وأرباح المال المستثمر بعقد الوكالة تكون للموكل؛ لأنه المالك للمال المستثمر، كما أنه يتحمل جميع خسائره التي تحدث بسبب لا يد للوكيل فيه ولا قدرة له على دفعه ولا تلافي آثاره، وللوكيل أجر معلوم يجب النص عليه في عقد الوكالة، وهو يحدد بمبلغ مقطوع أو نسبة من المال المستثمر، وهو ما لم يتحقق في الصورة المسئول عنها، بل إن الوكيل هو الذي يستحق أرباح استثمار الوديعة، ويتحمل خسائرها، ويحدد للموكل مالك الوديعة قدراً أو نسبةً من رأس المال، ويسميها ربحاً. والبنوك الإسلامية تمارس هذه الصورة بمقتضى قوانين ونظم إنشائها؛ فهي تتلقى الودائع
وتستثمرها لحساب أصحابها وعلى مسئوليتهم؛ فلهم أرباح ويتحملون خسائرها التي تحدث بسبب لا يد للبنك فيه، وهو ما يسمى في القانون بالقوة القاهرة والسبب الأجنبي. ويستحق البنك أجراً محدداً في عقد الوكالة في الاستثمار، بمبلغ مقطوع أو نسبةً من الوديعة المستثمرة. وبالقطع فإن هذه الودائع مملوكة لأصحابها وليست قرضاً للبنك ولا ديناً في ذمته. والدليل على أن المعاملة موضوع السؤال والفتوى لا يجري عليها العمل، ولا تسمح بها القوانين المطبقة في البنوك، وأن المطبق إنما معاملة أخرى مختلفة عنها جملةً وتفصيلاً، يأتي وفق عدة اعتبارات، هي:
الاعتبار الأول: الفتوى تفترض وجود بنك يتلقى الودائع والمدخرات من المتعاملين معه ليكون وكيلاً عنهم في استثمارها؛ وهو ما يعني وجود عقد وكالة مستوفٍ لشروطه، وتترتب عليه أحكام الشريعة، ينظم العلاقة بين البنك والمودع. وهذا القول مناقض لحكم القوانين المطبقة، ولا وجود له في واقع البنوك. إن الذي ينظم علاقة البنك بمودعيه هو عقد وديعة النقود،