الاعتبار الثالث: وعلى فرض أن البنوك تتلقى الودائع بصفتها وكيل استثمار، وعلى فرض أنها تملك استثمار الودائع بنفسها استثماراً مباشراً بالاتجار فيها بالبيع والشراء وشراء الأسهم، وهو فرض غير جائز قانوناً وغير واقع عملاً وممارسةً، على فرض ذلك كله .. فإن الفتوى تنص على أن استثمار الودائع يكون في "عمليات البنوك المشروعة". وهذا الفرض غير واقع؛ ذلك أن البنوك تملك استخدام الودائع في عمليات الإقراض بفائدة، وهي ربا محرم باتفاق. والفتوى نفسها لم تتعرض لحكم استخدام البنك لودائعه في إقراضها بفائدة برغم كونه رباً محرَّماً باتفاق. وتنص المادة الرابعة من القانون رقم ٣٧ لسنة ١٩٩٢ على أن تُستبدَل بكلمة "الفائدة" أينما وردت في القانون رقم ١٦٣ لسنة ١٩٥٧ أو القانون رقم ١٢٠ لسنة ١٩٧٥ كلمة "العائد"، وهو لا يغير من الحكم الشرعي، وهو حرمة كل زيادة عن مبلغ القرض؛ ذلك أن الحكم الشرعي مرتبط بكلمة "النفع" بكل صوره وجميع أشكاله، بصرف النظر عن التسمية التي تُطلق عليه، ربحاً كانت أو عائداً أو هديةً أو منحةً أو مكافأةً أو جائزةً. وإذا ثبت أن الودائع تستخدم بطريق الإقراض بفائدة أو عائد -كما يسميه القانون-، كان افتراض الفتوى أن البنك يستثمر الودائع في معاملاته المشروعة افتراضاً غير واقع وغير صحيح، وبناء الفتوى عليه باطل، ولو فرض أن هناك بنكاً يتلقى الودائع بصفته وكيل استثمار، ويستثمرها في معاملاته المشروعة استثماراً مباشراً بصيغ وعقود استثمار مشروعة ولا يقرضها للغير بفائدة؛ لكانت الفتوى منطبقة على هذا البنك (أي يتحقق فيه مناط الفتوى).
فالفتوى التي بين أيدينا أُنيطت وارتبطت وتعلقت ببنك يتلقى الودائع وفق عقد وكالة في الاستثمار، وليس وفق عقد وديعة تأخذ حكم القرض، ويقوم باستثمار هذه الودائع، والاتجار فيها بنفسه (وهذا محظور على البنوك القائمة)، ويتم التعامل فيها بصيغ وعقود استثمار شرعية، وليس بإقراضها بفائدة كما هو الوضع في البنوك العادية. فإذا ما اختل أو انعدم أحد هذه العناصر التي تشكل مناط الفتوى فإن الفتوى لا تطبق.
ولقد ذكرنا أن الفتوى تنطبق على البنوك الإسلامية، مع ملاحظة أن