النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عيناً أو قيمةً وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث] تفسير فتح القدير ٣/ ٤١٨.
وقال الحافظ ابن عبد البر: [فأما فساد الزروع والحوائط والكروم فقال مالك والشافعي وأهل الحجاز في ذلك ما ذكرناه عنهم في هذا الباب. وحجتهم حديث البراء بن عازب المذكور فيه مع ما دل عليه القرآن في قصة داود وسليمان:{إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} ولا خلاف بين أهل اللغة أن النفش لا يكون إلا بالليل. وكذلك قال جماعة العلماء بتأويل القرآن وقال الله عز وجل لمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند ذكر من ذكر من أنبيائه في سورة الأنعام:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} فجاز الإقتداء بكل ما ورد به القرآن من شرائع الأنبياء. إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له من نسخ في الكتاب أو سنة واردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخلاف ذلك تبين مراد الله فيعلم حينئذ أن شريعتنا مخالفة لشريعتهم فتحمل على ما يجب الاحتمال عليه من ذلك وبالله التوفيق] فتح المالك ٨/ ٣٤٤ - ٣٤٥.
وقد قال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة بتضمين أصحاب المواشي ما أتلفته مواشيهم ليلاً. قال الإمام البغوي:[ذهب إلى هذا بعض أهل العلم أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها وما أفسدت بالليل يضمنه ربها لأن في عرف الناس أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار وأصحاب المواشي يسرحونها بالنهار ويردونها بالليل إلى المراح فمن خالف هذه العادة كان خارجاً عن رسوم الحفظ إلى حد التضييع هذا إذا لم يكن مالك الدابة معها فإن كان معها فعليه ضمان ما أتلفته سواء كان راكبها أو سائقها أو قائدها أو كانت واقفة وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو فمها وإلى هذا ذهب مالك والشافعي] شرح السنة ٨/ ٢٣٦.