حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة. فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة. وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناساً بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك، فنفر من ذلك، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال: كذبوا عليَّ، كذبوا عليَّ، كذبوا علي! ثم قال: ألستم قوما عرباً؟ ألم يقل الله تعالى:{نساؤكم حرث لكم} وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت! وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل: {أَنَّى شِئْتُمْ} شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها، إذ هي مخصصة بما ذكرناه، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثنا عشر صحابياً بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم. وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه (تحريم المحل المكروه). ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه (إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار). قلت: وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه. وقد حذرنا من زلة العالم. وقد روي عن ابن عمر تكفير من فعله، وهذا هو اللائق به - رضي الله عنه -. وكذلك كذَّب نافع من أخبر عنه بذلك، كما ذكر النسائي] تفسير القرطبي ٣/ ٩٤ - ٩٥.
وقد اعتبر الشيخ ابن حجر المكي إتيان المرأة في دبرها من كبائر الذنوب وهذا هو الحق الذي تؤيده الأدلة فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد لعن من فعل ذلك واللعن لا يكون إلا على كبائر الذنوب. انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر ٢/ ٦٢.
وذكر الشيخ ابن القيم حِكماً كثيرة في حرمة وطء المرأة في دبرها فقال: [وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض فما الظن بالحش - الدبر - الذي هو محل الأذى اللازم ... للمرأة حق على الزوج في الوطء ووطؤها في دبرها يفوّت حقها ولا يقضي وطرها ولا يُحصّل مقصودها ... فإنه يذهب بالحياء جملة والحياء هو حياة القلوب فإذا فقدها