والعياذ بالله فقد ورد في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً، فقال: ألا وقول الزور. قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:(ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث) رواه أحمد والنسائي وابن حبان. وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح انظر صحيح سنن النسائي ٢/ ٥٤١. وغير ذلك من النصوص الكثيرة.
إذا تقرر هذا فإن طاعة الوالدين ليست مطلقة وإنما لها حدود لا يجوز تعديها وأهم هذه الحدود أن طاعة الوالدين إنما تكون في المعروف فإذا أمر الوالدان ولدهما بمعصية فلا طاعة لهما قال الله تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} سورة لقمان الآية ١٥. ويدل على ذلك أيضا قول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري ومسلم.
وجاء في حديث آخر عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:(لا طاعة لأحد في معصية الخالق) رواه أحمد والبزار وقال الحافظ ابن حجر: وسنده قوي. فتح الباري ٥/ ٢٤١، وقال الشيخ الألباني: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وجاء في رواية أخرى:(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهي رواية صحيحة. راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني ١/ ١٣٧ - ١٤٤. وقال الحسن البصري [إن منعته أمه عن صلاة العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها] رواه البخاري تعليقاً. فإذا أمر الوالدان أو أحدهما ولدهما بمعصية أو منكر فلا تجب طاعتهما لما تقدم من الأدلة وعلى الولد أن يرفض طاعة والديه إذا أمراه بمعصية ولكن برفق وحكمة دون أن يسيء لهما بالقول ولا بد من معاملتهما معاملة كريمة طيبة حتى لو كانا كافرين كما قال تعالى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} سورة لقمان الآية ١٥. وقد ورد في الحديث عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:(قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستفتيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صِلي أمك)