والقليل من هذا - أي العلم - مع القليل من هذا - أي العمل- أنجى في العاقبة، إذا تفضل الله بالرحمة، وتمَّمَ على عبده النعمة، فأما المدافعةُ والإهمال، وحبُ الهُوَيْنا والاسترسال، وإيثار الخَفْضِ والدعة، والميل مع الراحة والسعة، فإن خواتم هذه الخصال، ذميمة وعقباها كريهة وخِيمة.
والعلم يُرادُ للعمل، كما العملُ يُراد للنجاة، فإذا كان العملُ قاصراً عن العلم، كان العلم كلاًّ على العالم، ونعوذ بالله من علمٍ عاد كلاًّ، وأورث ذلاًّ، وصار في رقبة صاحبه غلاًّ.] اقتضاء العلم العمل ص ١٤ - ١٥.
وقال الحسين بن منصور في آداب العلماء [الثالث: أن يصون العلمَ كما صانه علماء السلف، ويقومَ له بما جعله الله تعالى له من العزة والشرف، فلا يدنسه بالأطماع، ولا يذله بذهابه ومشيه إلى غير أهله من أبناء الدنيا، من غير ضرورة أو حاجة أكيدة، ولا إلى من يتعلمه منه منهم، وإن عظم شأنه وكبر قدره وسلطانه.
قال الزهري: هوان بالعلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلم. وقال مالك بن أنس للمهدي وقد استدعاه لولديه يعلمهما: العلم أولى أن يوقر ويؤتى، وفي رواية: العلم يزار ولا يزور ويؤتى ولا يأتي. وفي رواية: أدركت أهل العلم يُؤْتَون ولا يأتون، ويروى عنه أيضاً أنه قال: دخلت على هارون الرشيد فقال يا أبا عبد الله: ينبغي أن تختلف إلينا - أي تزورنا - حتى يسمعَ صبياننا منك الموطأ، قال: فقلت أعزك الله إن هذا العلم منكم خرج، فإن أنتم أعززتموه عزَّ، وإن أذللتموه ذلَّ والعلمُ يُؤتى ولا يأتي، فقال: صدقت، اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع من سمع الناس.]
وصدق القائل:
يا معشرَ القراء يا ملحَ البلد ... ما يصلحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟
ولله درُّ القاضي الجرجاني حيث قال:
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوسِ لعُظِّما!
ولكنْ أهانوه فهان ودنّسوا ... مُحيَّاهُ بالأطماعِ حتى تجهَّما!