هذه الآية الثانية فواضح في قصة أبي طالب, وأما نزول التي قبلها ففيه نظر, ويظهر أن المراد أن الآية المتعلقة بالاستغفار نزلت بعد أبي طالب بمدة, وهي عامة في حقه وفي حق غيره, ويوضح ذلك ما سيأتي في التفسير بلفظ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} فأنزل الله بعد ذلك الآية. وأنزل في أبي طالب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}. ولأحمد من طريق أبي حازم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة أبي طالب قال: فأنزل الله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} وهذا كله ظاهر في أنه مات على غير الإسلام] فتح الباري ٧/ ٢٤٥.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضاً: [قوله: فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} أي ما ينبغي لهم ذلك, وهو خبر بمعنى النهي ... وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك, فلا أزال استغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي. فقال أصحابه: لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه, فنزلت) وهذا فيه إشكال, لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً, وقد ثبت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية والأصل عدم تكرر النزول. وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال:(خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً إلى المقابر فاتبعناه, فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم بكى, فبكينا لبكائه, فقال: إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي, واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي, فأنزل عليَّ:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه وفيه (نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب) ولم يذكر نزول الآية. وفي رواية الطبري من هذا الوجه (لما قدم مكة أتى رسم قبر)، ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية (لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت) وللطبراني من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث ابن مسعود وفيه (لما هبط من ثنية عسفان) وفيه