وثبت في الحديث الصحيح أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:(والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواهُ مسلم.
قال الإمام النووي: [وقوله (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة) أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على من سواهما وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى. والله أعلم] شرح النووي على صحيح مسلم ١/ ٣٤٢ ..
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وأما الشفاعة والدعاء فانتفاع العباد به موقوف على شروط وله موانع فالشفاعة للكفار بالنجاة من النار والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم -ولو كان الشفيع أعظم الشفعاء جاهاً- فلا شفيع أعظم من محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم الخليل إبراهيم وقد دعا الخليل إبراهيم لأبيه واستغفر له كما قال تعالى عنه:{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}. وقد كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد أن يستغفر لأبي طالب اقتداءً بإبراهيم وأراد بعض المسلمين أن يستغفر لبعض أقاربه فأنزل الله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ثم ذكر الله عذر إبراهيم فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إنَّ إبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١/ ١٤٥ - ١٤٦.
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير قوله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}: [هذا نفي بمعنى النهي، فهو أبلغ من النهي المجرد، وهذا التعبير فيه يسمى نفي الشأن، وهو أبلغ من نفي الشيء نفسه، لأنه نفي معلل بالسبب المقتضي له. والمعنى: ما كان من شأن النبي