وَكَتَبَ وَنُسْخَةُ كِتَابِهِ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى منه عبداً أو أمةً لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم للمسلم). وَقَدْ بَاعَ وَلَمْ يُشْهِدْ, وَاشْتَرَى وَرَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَلَمْ يُشْهِدْ, وَلَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ أَمْرًا وَاجِبًا لَوَجَبَ مَعَ الرَّهْنِ لِخَوْفِ الْمُنَازَعَةِ] أحكام القرآن لابن العربي ١/ ٢٥٩.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ. وَلِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ, وَأَبْعَدُ مِنْ التَّجَاحُدِ, فَكَانَ أَوْلَى, وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا لَهُ خَطَرٌ, فَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْقَلِيلَةُ الْخَطَرِ, كَحَوَائِجِ الْبَقَّالِ, وَالْعَطَّارِ, وَشَبَهِهِمَا, فَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيهَا; لِأَنَّ الْعُقُودَ فِيهَا تَكْثُرُ, فَيَشُقُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا, وَتَقْبُحُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا, وَالتَّرَافُعُ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ أَجْلِهَا, بِخِلَافِ الْكَثِيرِ. وَلَيْسَ الْإِشْهَادُ بِوَاجِبٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا, وَلَا شَرْطًا لَهُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ, وَإِسْحَاقَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ذَلِكَ فَرْضٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ. .... وَلَنَا, قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: صَارَ الْأَمْرُ إلَى الْأَمَانَةِ. وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ, وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا, وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ) (وَاشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سَرَاوِيلَ) , (وَمِنْ أَعْرَابِيٍّ فَرَسًا, فَجَحَدَهُ الْأَعْرَابِيُّ حَتَّى شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ) وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَشْهَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَتَبَايَعُونَ فِي عَصْرِهِ فِي الْأَسْوَاقِ, فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِشْهَادِ, وَلَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِعْلُهُ, وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانُوا يُشْهَدُونَ
فِي كُلِّ بِيَاعَاتِهِمْ لَمَا أُخِلَّ بِنَقْلِهِ. (وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً. وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِشْهَادِ, وَأَخْبَرَهُ عُرْوَةُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا, وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ تَرْكَ الْإِشْهَادِ) وَلِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَغَيْرِهَا, فَلَوْ وَجَبَ الْإِشْهَادُ فِي كُلِّ مَا يَتَبَايَعُونَهُ, أَفْضَى إلَى الْحَرَجِ الْمَحْطُوطِ عَنَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. وَالْآيَةُ الْمُرَادُ بِهَا الْإِرْشَادُ إلَى حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَالتَّعْلِيمِ, كَمَا أَمَرَ بِالرَّهْنِ وَالْكَاتِبِ, وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ, وَهَذَا ظَاهِرٌ] المغني ٤/ ٢٠٥ - ٢٠٦.