عن الاستدلال بالضعيف على خلاف ما يفعله بعض الخطباء والمدرسين الذين لا يهتمون بمعرفة درجة الأحاديث التي يذكرونها في خطبهم ودروسهم مع أن ذلك واجب عليهم لأن المصلين يتلقون كلامهم ويسمعونه ومعظم المصلين لا يعرفون شيئاً عن الحكم على الأحاديث وأن هنالك أحاديث باطلة وأخرى مكذوبة وأخرى ضعيفة.
إن واجب كل من يتصدى للتدريس أو الخطابة أو الوعظ أو التأليف أن يكون على بينة وبصيرة من الأحاديث التي يذكرها وينسبها إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن الكذب على الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس كالكذب على غيره فقد صح في الحديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:(من كذب عليَّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم.
فإن هؤلاء الخطباء والوعاظ وإن لم يتعمدوا الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مباشرة فقد ارتكبوه تبعاً لنقلهم الأحاديث التي يقفون عليها وهم يعلمون أن فيها ما هو ضعيف وما هو مكذوب قطعاً دون أن يبينوا.
قال ابن حبان في صحيحه: فصل: (ذكر أسباب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو غير عالم بصحته) ثم ساق بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:(من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه. ثم ذكر حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حدّث بحديث يُرى - بضم الياء- أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم
يتبين من هذه الأحاديث أنه لا يجوز نشر الأحاديث وروايتها دون التثبت من صحتها ومن فعل ذلك فهو حسبه من الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القائل:(إن كذباً عليّ ليس كالكذب على أحد فمن كذب عليّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) رواه مسلم. ولو قلنا بأنه يجوز التساهل في الترغيب والترهيب ولكن لا يجوز أن يصل الأمر إلى ذكر الأحاديث الباطلة والمكذوبة وإنما العلماء تساهلوا بذكر الأحاديث الضعيفة في باب الترغيب والترهيب ولكنهم بينوا أسانيدها.