التمسك بعهده، وهو إتباع كتابه العزيز وحدوده، والتأدب بأدبه ... وأما (إضاعة المال): فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية، وتعريضه للتلف، وسبب النهي أنه إفساد، والله لا يحب المفسدين، ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس.] شرح النووي على صحيح مسلم ٤/ ٣٧٥ - ٣٧٧. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(إضاعة المال)[ ... والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعاً سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياماً لمصالح العباد، وفي تبذيره تفويت تلك المصالح، إما في حق مضيعها وإما في حق غيره] فتح الباري ١٠/ ٥٠١.
إذا تقرر أن من مقاصد الشارع الحكيم حفظ المال فأعود إلى السؤال فأقول إن ما قام به بعض المزارعين من إتلافهم للمنتجات الزراعية ورميها في الشوارع أمر محرم شرعاً وما فعلوه إنما هو تقليد للحضارة الغربية الرأسمالية التي تهلك كل عام كميات هائلة من المنتجات الزراعية للمحافظة على مستوى الأسعار [فالولايات المتحدة الأمريكية تُغرق في البحر مئات الأطنان من المواد الغذائية سنوياً فقط لتحافظ على مستوى الأسعار التي تريدها وذلك عن طريق إتلاف الفائض عن حاجة السوق التجارية بغض النظر عن احتياجات الإنسانية في العالم ومن أجل إبقاء سعر القمح عالمياً في مستواه الثابت تلجأ أمريكا إلى إتلاف الفائض أو تخزينه وقد بلغت قيمة ما تحرقه أمريكا سنوياً من القمح مبلغ أربعين مليار دولار فيما يموت أربعين بالمائة من مواليد إفريقيا وحدها نتيجة لنقص المواد الغذائية، هذا في القمح إلاّ أن السياسة نفسها هي المتبعة بالنسبة للحليب واللحوم ومختلف أنواع المواد الاستهلاكية زراعية كانت أم صناعية ... بل إن مجموعة الدول الصناعية الأوروبية، ليست على استعداد لإلغاء ما اعتادت عليه منذ عشرات السنين، من إنفاق الملايين على إتلاف الفائض من منتجاتها الزراعية والغذائية، والمليارات على دعم المزارعين فيها، بحجة عدم انخفاض مستوى أسعار تلك