لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(الجار أحق بسقبه) -السقب القرب والملاصقة- ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار، فأعطاها إياها) رواه البخاري. وهذه الأحاديث أثبتت حق الشفعة، ولكن الفقهاء اختلفوا فيمن يثبت له هذا الحق، ومذهب جمهور الفقهاء أن الشفعة تثبت للشريك فيما لم يقسم، فإذا قسمت الأرض مثلاً فلا شفعة، وقالوا لا يثبت حق الشفعة للجار، وعند الحنفية تثبت الشفعة للشريك وللجار الملاصق، وقد اختار بعض أهل العلم قولاً وسطاً بين هذين القولين السابقين فقرروا أن الشفعة تثبت للشريك وللجار إذا كان شريكاً مع جاره في حقٍ من حقوق الارتفاق الخاصة كأن يكون طريقهما واحداً، وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والإمام الشوكاني ونقل عن الإمام أحمد، وعزاه ابن القيم إلى عمر بن عبد العزيز والبصريين من فقهاء الحديث. انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٣٠/ ٣٨٣، الإنصاف للمرداوي ٦/ ٢٥٥، نيل الأوطار ٥/ ٣٧٦.
قال الشيخ ابن القيم:[والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه إن كان بين الجارين حقٌ مشترك من حقوق الأملاك من طريقٍ أو ماء أو نحو ذلك تثبت الشفعة وإن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان كل واحدٍ منهما متميزاً ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة] إعلام الموقعين ٢/ ١٤٩. وقال الشيخ ابن القيم أيضاً: [والقياس الصحيح يقتضي هذا القول فإن الاشتراك في حقوق الملك شقيق الاشتراك في الملك، والضرر الحاصل بالشركة فيها كالضرر الحاصل بالشركة في الملك أو أقرب إليه، ورفعه مصلحة للشريك من غير مضرة