وأما الصنف الثاني فهم حملة العلم والقرآن الذين لا يعملون بعلمهم، وهؤلاء قد كثروا في زماننا مع الأسف الشديد، فكم ممن ينتسبون إلى العلم الشرعي، ويتبوؤن المناصب الدينية العليا، كالمفتين والقضاة الشرعيين وقراء القرآن الكريم وغيرهم من حملة الشهادات العليا في العلوم الشرعية، كم من هؤلاء لا يصونون العلم الذي يحملونه، ويقفون
مواقف الريب والشبهات، بل يقفون مواقف مخزية مع أعداء الإسلام وأعوانهم، وقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال:( ... والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدُ فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه مسلم، ومعناه أن قارئ القرآن ينتفع به إن تلاه وعمل به وإلا فهو حجة عليه. وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يُؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمُه سورةُ البقرة وآلُ عمران، تحاجَّان عن صاحبهما) رواه مسلم.
قال العلامة ملا علي القاري:[ ... دلَّ على أن من قرأ ولم يعمل به لم يكن من أهل القرآن ولا يكون شفيعاً لهم بل يكون القرآن حجة عليهم] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٤/ ٦٢٧.
وهذا الحديث يدل على أن أهل القرآن هم العاملون به وليس الأمر مقتصراً على حفظه وتلاوته وتجويده والتشدق به، فلابد من التزام أخلاق القرآن، والتأدب بآدابه، وتحريم حرامه والعمل بما فيه. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:[ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف، ولكن إقامة حدوده] التذكار في أفضل الأذكار ص ٦٨.
وقال الحسن البصري: [أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن كله فما أسقطت منه حرفاً، وقد والله