أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم - فقتلوه- فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيبٌ عندهم أسيراً حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث، موسىً يستحدُ بها - يحلق عانته - فأعارته فدرج بُنَيٌ لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مُجلسَه على فخذه والموسى بيده، قالت ففزعت فزعةً عرفها خبيب، فقال أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، قالت والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل قطفاً من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول إنه لرزقٌ رزقه الله خبيباً، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزعٌ لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بَدداً، ولا تبق منهم أحداً، ثم أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنبٍ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلوٍ ممزع
- أي أعضاء جسدٍ يقطع - ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب هو سنَّ لكل مسلم قُتل صبراً الصلاة، وأخبر - النبي صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناسٌ من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حُدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلاً عظيماً من عظمائهم، فبعث الله لعاصمٍ مثل الظُلَّة من الدبر - أي مثل السحابة من الزنابير -فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئاً ... ).