وقد اختلف أهل العلم في أيهما أولى الحلف أم افتداء اليمين؟ والذي أرجحه هو افتداء اليمين، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[واختلف في الأولى، فقال قوم: الحلف أولى من افتداء يمينه; لأن عمر حلف; ولأن في الحلف فائدتين; إحداهما، حفظ ماله عن الضياع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته. والثانية، تخليص أخيه الظالم من ظلمه، وأكل المال بغير حقه، وهذا من نصيحته ونصرته بكفه عن ظلمه، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم على رجلٍ أن يحلف ويأخذ حقه. وقال أصحابنا: الأفضل افتداء يمينه; فإن عثمان افتدى يمينه، وقال: خفت أن تصادف قدراً، فيقال حلف فعوقب، أو هذا شؤم يمينه. وروى الخلال بإسناده، أن حذيفة عرف جملاً سرق له، فخاصم فيه إلى قاضي المسلمين، فصارت اليمين على حذيفة فقال: لك عشرة دراهم. فأبى، فقال لك عشرون، فأبى، فقال: لك ثلاثون، فأبى، فقال: لك أربعون، فأبى، فقال حذيفة: أتراني أترك جملي؟ فحلف بالله أنه له ما باع ولا وهب. ولأن في اليمين عند الحاكم تبذلاً، ولا يأمن أن يصادف قدراً، فينسب إلى الكذب، وأنه عوقب بحلفه كاذباً، وفي ذهاب ماله له أجر، وليس هذا تضييعاً
للمال، فإن أخاه المسلم ينتفع به في الدنيا ويغرمه له في الآخرة. وأما عمر، فإنه خاف الاستنان به، وترك الناس الحلف على حقوقهم، فيدل على أنه لولا ذلك، لما حلف، وهذا أولى، والله تعالى أعلم] المغني ١٠ ٢٠٨ - ٢٠٩.
ويؤيد ترجيح افتداء اليمين أن في ذلك [صون عرضه وهو مستحسن عقلاً وشرعاً، ولأنه لو حلف يقع في القيل والقال، فإن الناس بين مصدقٍ ومكذب، فإذا افتدى بيمينه فقد صان عرضه وهو حسن] البحر الرائق. ويؤيده أيضاً ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى