فمن كتاب الله قوله تعالى:(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) سورة النساء /٣٥.
وهذه الآية نص صريح في إثبات التحكيم كما قال القرطبي في تفسيرها، تفسير القرطبي ٥/ ١٧٩.
ومن السنة النبوية ما رواه البخاري في صحيحه في قصة تحكيم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - في يهود بني قريظة، وقد رضي الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسعدٍ - رضي الله عنه - حكماً.
وكذلك ما رواه أبو داود بسنده عن يزيد بن المقدام عن شريح عن أبيه عن جده شريح عن أبيه هانئ:(أنه لما وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قومه، سمعهم يكّنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنّى أبا الحكم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الطرفين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما أحسن هذا فما لك من الولد؟ قال: لي شريح ومسلم وعبد الله قال فمن أكبرهم؟ قال: قلت شريح فقال: أنت أبو شريح) ورواه النسائي أيضاً، وقال الشيخ الألباني: صحيح، إرواء الغليل ٨/ ٢٣٧.
وقد وقعت حوادث كثيرة في زمن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحكّمون فيها بين المتخاصمين، فمن ذلك ما وقع لعمر - رضي الله عنه - حين ساوم على فرس لرجل فركبه فعطب الفرس، فقال عمر للرجل: خذ فرسك، فقال الرجل: لا، فقال: إجعل بيني بينك حكماً، فقال الرجل: شريح فتحاكما إليه .... الخ " رواه ابن سعد في الطبقات، وقال الشيخ الألباني: رجاله ثقات، رجال الشيخين إلا أن الشعبي لم يدرك عمر، وغير ذلك من الآثار.
وإذا ثبت هذا فأقول: إن حكم المحكّم أو المحكّمين لازم للمتخاصمين، ولا يصح شرعاً رفض حكم المحكّم أو المحكّمين من قبل أحد المتخاصمين، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية في القول المعتمد عندهم، والحنابلة، وهو قول الظاهرية، ونقل عن جماعة من السلف.