غير أن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، كانوا مثالاً للورع في إصدار الفتوى، فكان الواحد منهم يود لو أن أخاه كفاه الإجابة عن السؤال في دين الله، هذا ابن أبي ليلى يقول:
[أدركت عشرين ومائة من الأنصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم من رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه].
وذكر ابن وهب عن محمد بن سليمان المرادي عن أبي إسحاق قال:[كنت أرى الرجل في ذلك الزمان، وإنه ليدخل يسأل عن الشيء، فيدفعه الناس من مجلس إلى مجلس حتى يدفع إلى مجلس سعيد بن المسيب كراهية للفتيا].
وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يكرهون الجرأة على الفتوى والتسرع فيها.
قال سحنون:[أجسر الناس على الفتوى أقلهم علماً].
ويقول ابن القيم:[الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم ومن غزارته وسعته، فإذا قل علمه أفتى عن كل ما يسؤل عنه بغير علم، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه].
إن التسرع في الفتيا خطأ وخطر يفضي إلى عدم إصابة الحق والجرأة على الله تعالى والوقوع فيما نهى عنه يقول تعالى:(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، ومن أفتى بغير علم فعمل بفتواه عامل كان إثم العامل على من أفتاه، فليتق الله المتسرعون في الفتيا.
ولا بد للمتصدر للإفتاء من أن يمتلك أدواته، من فهم لمعاني النصوص وعللها الصحيحة التي ناط الشارع بها الأحكام.
كما لا بد من التضلع في معرفة الأحاديث ومدى ثبوتها، وتتبع طرقها وأقوال العلماء فيها ولا بد من البحث والتنقير عن الأدلة الشرعية حتى ينشرح الصدر للعمل بالدليل الذي يحصل عليه، ومثل ذلك الأمر صعب وليس بالهين.