ومن المعلوم أن فقه الإمام الشافعي مرّ بعدة مراحل أثناء حياة الإمام ومن المشهور أن الشافعي له مذهبان قديم وجديد أما القديم فكان في العراق وأما الجديد فكان في مصر ومن هنا جاءت المقولة المشهورة بين طلبة العلم أن الشافعي قد غيَّر مذهبه عندما سكن مصر ونريد أن ندقق في هذه القضية ونسأل هل فعلاً أن الإمام الشافعي غيَّر مذهبه؟ وما مدى هذا التغيير؟
الحقيقة أنه ليس صحيحاً أن الإمام الشافعي غير مذهبه القديم وألغاه تماماً ثم وضع مذهباً جديداً في مصر وخاصة أن فترة إقامته في مصر كانت قصيرة حيث إن إقامته لم تزد على أربع سنوات وهذه مدة لا تكفي لتغيير المذهب جملة وتفصيلاً.
إن الفترة التي عاشها الشافعي في مصر جاءت بعد أن نضجت آراؤه وتكامل اجتهاده فأخذ يمحص آرائه السابقة ويعيد النظر فيها ودرس فيها أصوله التي بنى أقواله عليها ناقداً لها فاحصاً كاشفاً فهذا الإمام الذي كان يتسامى فلا يترك قولاً من غير نقد ولا تمحيص وكشف لمحاسنه ومساويه، وقربه من السنة أو بعده عنها قد أخذ أيضاً يدرس آراء نفسه هذه الدراسة الناقدة الفاحصة الكاشفة.
ثم هو يدون ما انتهى إليه من دراسته فيدون رسالته ويكتب مسائل كثيرة له أو يملي أخرى ويروي عنه أصحابه جملة آرائه في تلك الفترة وينقلون خلافاته مع غيره من الفقهاء. انظر كتاب " الإمام الشافعي حياته وعصره - آراؤه وفقهه " للشيخ محمد أبو زهرة ص ١٢٩.
وفي مدة إقامته في مصر أعاد كتابة رسالته في الأصول كتابة جديدة زاد فيها وحذف منها وأبقى لب رسالته القديمة ودرس آراءه في الفروع فعدل عن بعضها إلى جديد لم يقله وكان له بذلك قديم قد رجع عنه وجديد قد اهتدى إليه وقد يتردد بين الجديد والقديم فيذكر الرأيين من غير أن يرجع عن أولهما.