وأما إذا كان الحالف كاذباً متعمداً للكذب فقد وقع في الحرام قال الله تعالى:(إن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة آل عمران الآية ٧٧.
وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كثرة الحلف في البيع والشراء ويلحق به غيرهما من وجوه التعامل بين الناس فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:(سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي قتادة الأنصاري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق) رواه مسلم.
قال الإمام النووي:[وفيه النهي عن كثرة الحلف في البيع فإن الحلف من غير حاجة مكروه وينضم إليه ترويج السلعة وربما اغتر المشتري باليمين] شرح النووي على صحيح مسلم ٣/ ٢٢٠.
وقال الحافظ أبو العباس القرطبي المحدّث - وهو شيخ القرطبي المفسر -: [وقوله: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للربح) الرواية: منفقة ممحقة - بفتح الميم وسكون ما بعدها وفتح مابعدها - وهما في الأصل مصدران مزيدان محدودان بمعنى: النَّفاق. والمحق أي الحلف الفاجرة تنفق السلعة وتمحق بسببها البركة فهي ذات نفاق وذات محق. ومعنى تمحق البركة أي تذهبها وقد تذهب رأس المال كما قال الله تعالى:(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) وقد يتعدى المحق إلى الحالف فيعاقب بإهلاكه وبتوالي المصائب عليه وقد يتعدى ذلك إلى خراب بيته وبلده كما روي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع) أي: خالية من سكانها إذا توافقوا على التجرؤ على الأيمان الفاجرة. وأما محق الحسنات في الآخرة فلا بد منه لمن لم يتب وسبب هذا كله أن اليمين الكاذبة يمين غموس يؤكل بها مال المسلم بالباطل.
وقوله:(إياكم وكثرة الحلف فإنه ينفق ثم يمحق) إياكم معناه الزجر