للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثله قول عمرو بن أحمر الباهلي:

رماني بأمر كنتُ منه ووالدي ... بريئاً ومن أجل الطوى رماني

ولم يقل: (بريئين). والمعنى: (من أجل شجارنا عند بئر الطوى رماني بما أنا بريء منه، وكذلك والدي).

وهذا الذي عرفته العرب (١) من الاكتفاء بأحد المذكورَين، والاستغناء بذكره عن الآخر لشرف الأول أو لغيره من الأسباب البيانية تكرر كثيراً في القرآن: كقول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا} (الجمعة: ١١)، لم يقل: (إليهما)، بل أعاد الضمير إلى التجارة؛ لأنها الأهمّ.

ومثله قوله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً} (النساء: ١١٢)، أي يرمي بالإثم، ولم يقل: (بهما)، بل أعاد الضمير على الإثم دون الخطيئة، لأنه أعظم منها.

المسألة الثالثة: خطاب المثنى بصيغة الجمع

قالوا: أتى القرآن بالمعيب عند أهل البيان حين ذكر المثنى بصيغة الجمع، في قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (التحريم: ٤)، فالخطاب موجّه لحفصة وعائشة. فلماذا لم يقل: (صغا قلباكما)، إذ أنه ليس للاثنتين أكثر من قلبين؟

وفي الجواب ذكر علماء اللغة أجوبة، أهمها:

أ- أن الله قد أتى بالجمع في قوله: {قُلُوبُكُمَا}، لأنه يسوغ في لغة العرب؛ لإضافته إلى مثنى، وهو ضميرهما. والجمع في مثل هذا أكثر استعمالاً من المثنى. فإن العرب تكره اجتماع تثنيتين، فيعدلون إلى صيغة الجمع؛ لأن التثنية جمع في المعنى والأفراد.


(١) انظر: فقه اللغة، الثعالبي (٢/ ٥٦٩ - ٥٧٠).

<<  <   >  >>