للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإشكال السابع: ألف سنة أم خمسون ألف سنة؟

قالوا: تناقض القرآن في حديثه عن طول يوم القيامة، فذكر في موضع أنه ألف سنة {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (السجدة: ٥)، وذكر في آخر أنه خمسون ألف سنة {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج: ٤).

والجواب: إن القارئ للآيتين يدرك أن التباين بينهما مرده اختلاف موضوعهما، فالخمسون ألف سنة هي مقدار يوم القيامة، فقد نصت عليه الآيات بعدها {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ} (المعارج: ٧ - ٨)، وقد أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الطول ليوم القيامة، وهو يحكي عن عذاب تارك الزكاة: «كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؛ حتى يقضى بين العباد, فيرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار» (١).

وأما الألف سنة فلا علاقة لها بيوم القيامة، وإنما وردت في سياق الحديث عن مدة نزول الأمر من الله ثم عروجه إليه (٢)، وهو منطوق الآية وصريحها، لأن الله يقول: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (السجدة: ٥).

ومصداقه في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده إن ارتفاعها كما بين السماء والأرض، وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمس مائة سنة»، فنزول الأمر {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} في خمسمائة عام، ومثلها في صعوده {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ}، فهذه الألف سنة.

قال ابن عباس: "المعنى ينفذ الله ما قضاه من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه خبر ذلك في يوم من أيام الدنيا مقداره لو سِيَر فيه السير المعروف من البشر


(١) أخرجه مسلم ح (٩٨٧).
(٢) نكت الانتصار لنقل القرآن، الباقلاني، ص (١٦٤).

<<  <   >  >>