ألف سنة لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام، فالألف ما بين نزول الأمر إلى الأرض وعروجه إلى السماء" (١).
بقي لنا أن نهمس في آذان أصحاب هذه الشبهة، فنقول: الحديث في مسألة الزمن نسبي، فحين نتحدث عن أعمار البشر فإنا نتحدث عن أيام وسنين أرضية؛ لأن البشر يعيشون على الأرض، ولكن لو فرضنا أن مخلوقاً يعيش على القمر فإن حساب سني عمره يكون بالسنين القمرية لا الأرضية، فيختلف عمره القمري عن الأرضي باختلاف السنين القمرية عن الأرضية.
وهكذا يكون الحال حين نبتعد أكثر، فنتحدث عن عروج الملائكة في السماوات أو نزولهم فيها، فأيامهم ليست أياماً أرضية، ولا قمرية، ولا شمسية، والألف منها باعتبار قد يعدل الألفين أو العشرة باعتبارات أخرى، فيكون الإخبار عن هذا كله صحيحاً رغم اختلاف الأرقام.
الإشكال الثامن: هل تتبدل كلمات الله؟
قالوا: اختلف القرآن في مسألة تبديل كلام الله، فحين يكون المقصود فيه التوراة والإنجيل فإن المسلمين يقولون بوقوع التبديل والتحريف محتجين بقول القرآن:{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}(البقرة: ٧٩)، في حين أن آيات أخرى تذكر أن كلمات الله لا تتبدل {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله}(يونس: ٦٤)، وكذا قوله:{وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله}(الأنعام: ٣٤)، وكذا قوله:{لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(الأنعام: ١١٥)؛ إذ لا يقوى البشر على ذلك {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}(الكهف: ٢٧).
وتساءلوا: كيف يقدر البشر على تحريف كتاب الله، ورأوا أن قول القرآن ومعتقد المسلمين في ذلك يحط من قدر الله العظيم الذي لا يعجزه حفظ كتبه وصيانتها عن عبث البشر وزياداتهم ونقصهم!!
والجواب: لقد كان القرآن الكريم صريحاً في تشنيعه على أهل الكتاب تحريفهم لكتبهم، وتلاعبهم بها زيادة ونقصاً {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(آل عمران: ٧٨).
والحق أن الله على كل شيء قدير، ولو تعلقت مشيئته بحفظ كتبه لحفظها؛ ولما استطاع تحريفها إنس ولا جان، وأيضاً لو أراد عز وجل حفظ أنبيائه من القتل والاضطهاد؛ لفعل، لكنه سبحانه وتعالى لم يشأ ذلك، فتعرض السفهاء لأنبيائه بالقتل والتنكيل، ولكتبه بالتبديل والتحريف، فمسألة تحريف كتب الله مطابقة لمسألة قتل الأنبياء، فكما أقدر الله عتاة بني إسرائيل على قتل أنبيائه؛ فإنه أقدرهم على تحريف كتبه، من غير ضعف منه تبارك وتعالى، فهو فعال لما يريد.