وقد جمع بين المعنيين أبو جعفر الطبري بقوله:"يقول تعالى ذكره: وكملت {كَلِمَةُ رَبِّكَ}، يعني القرآن .. {لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ}، يقول: لا مغير لما أخبر في كتبه أنه كائن من وقوعه في حينه وأجله الذي أخبر الله أنه واقع فيه، وذلك نظير قوله جل ثناؤه:{يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ الله قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللهُ مِن قَبْلُ}(الفتح: ١٥)، فكانت إرادتُهم تبديلَ كلام الله، مسألتَهم نبيَّ الله أن يتركهم يحضرون الحرب معه"(١).
الثاني: موعود الله وقضاؤه، فالله لا يخلف الميعاد، ولا يقوى أحد على تغيير قضائه وموعوده تبارك وتعالى، وذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}(الأنعام: ٣٤)، فما لا يتبدل هو موعود الله لأنبيائه بالنصر، ومثله في موعود الله للمؤمنين بالجنة {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(يونس: ٦٣ - ٦٤)، فالحديث في الآيات المانعة من تبديل كلام الله يتعلق بالقرآن أو بموعود الله لعباده، ولا يتحدث عن الكتاب المقدس الذي توعد الله محرفيه ومبدليه بالويل والثبور:{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}(البقرة: ٧٩).
الإشكال التاسع: عروبة القرآن مع عُجمة بعض كلماته
قالوا: تناقض القرآن في قوله بأنه نزل {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍ مُبِيْنٍ}(الشعراء: ١٩٥)، في حين أنا نجد فيه كلمات أعجمية كأسماء بعض الأعلام (إبراهيم، إسماعيل، إسحاق)، أو أسماء بعض الأشياء مستعارة من لغات أخرى كالسريانية