للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوقوع في الخطأ، ولهذا أمر به - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وهذا ما رآه ابن عبد البر والخطيب البغدادي وغيرهما من أئمة الحديث، وإليه أَذْهَبُ، وبه أقول، فالصحابة لم يزهدوا في السُنَّةِ، بل كان لهم الفضل الأول في المحافظة عليها.

وقبل أنْ نختتم هذا الفصل لاَ بُدَّ مِنْ أنْ نَتَعَرَّضَ لما رُوي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من أنه حبس بعض الصحابة لأنهم أكثروا الرواية عن رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -! فنتناول هذا الخبر من حيث صحته، ثم لو صَحَّ هذا الخبر فكيف كان ذلك الحبس؟

روى الحافظ الذهبي (١) عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أَنَّ عمر حبس ثلاثة: «ابْنَ مَسْعُودٍ (٢) وَأَبَا الدَّرْدَاءَ (٣)، وَأَبَا مَسْعُودَ الأَنْصَارِيَّ (٤)، فَقَالَ: " قَدْ أَكْثَرْتُمْ الحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "». هؤلاء ثلاثة من جِلَّةِ أصحاب الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأتقاهم وأورعهم. هل يعقل من مثل عمر بن الخطاب أن يحبسهم؟ وهل يكفي أنهم أكثروا من الرواية؟.


(١) " تذكرة الحفاظ ": ص ٧ جـ ١، وفيه سعيد بن إبراهيم والصواب سعد، وهو حفيد عبد الرحمن بن عوف كما في " تهذيب التهذيب "، و" المحدث الفاصل " ص ١٣٣: آ، وانظر " مجمع الزوائد ": ص ١٤٩ جـ ١.
(٢) عبد الله بن مسعود الهُذلي صحابي جليل من السابقين إلى الإسلام كان مخالطًا لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحب وساده وسواكه ونعليه، وجهه عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إلى الكوفة - وَامْتَنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِهِ - ليُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ وَيُعَلِّمَهُمْ القُرْآنَ، وقد جمع القرآن في عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقراءته مشهورة. توفي سَنَةَ ٣٢ هـ في المدينة. انظر بسط ترجمته في " سير أعلام النبلاء ": ص ٣٣١ - ٣٥٧ جـ ١.
(٣) أبو الدرداء: عويمر بن مالك بن قيس صحابي أنصاري خزرجي. كان حكيمًا، ولي القضاء لمعاوية في دمشق بأمر عمر بن الخطاب، وهو أحد من حفظ القرآن في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتوفي في الشام سَنَةَ ٣٢ هـ، انظر " تاريخ الإسلام " للذهبي: ص ١٠٧ جـ ٢.
(٤) أبو مسعود الأنصاري: هو عُقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري، كان أصغر من شهد العقبة مع الأنصار، توفي في الكوفة سَنَةَ ٣٩ أو ٤٠، انظر " خلاصة " الخزرجي، و " تقريب التهذيب ": ص ٢٧ جـ ٢.