للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنَّ المرء ليقف متسائلاً أمام هذا الخبر ويعتريه الشك فيه، ويتبادر إلى نفسه أن يتساءل عن الحد الذي يمكن أن يعرف به الإقلال والإكثار! وقد ناقش الإمام ابن حزم هذا وَرَدَّهُ، وقال: «هَذَا مُرْسَلٌ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ مِنْ (شُعْبَةَ) فَلاَ يُصِحُّ وَلاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِهِ، ثَمَّ هُوَ فِي نَفْسِهِ ظاهِرُ الْكَذِبِ وَالتّوْلِيدِ، لأَنَّه لاَ يَخْلُو عُمَرُ مِنْ أَنْ يُكُونَ اِتَّهَمَ الصَّحَابَةَ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ، أَوْ يُكُونَ نَهَى عَنْ ' نَفْسِ الحَديثِ '، وَعَنْ تَبْلِيغِ سَنَنِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى المُسْلِمِينَ، وَأَلْزَمَهُمْ كِتْمَانَهَا وجَحْدِهَا وَأَنْ لاَ يَذْكُرُوهَا لأَحِدُ، فَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الإِسْلاَمِ '، وَقَدْ أَعَاذَ اللهُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَلَئِنْ كَانَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ مُتَّهَمِينَ فِي الكَذِبِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَا عُمَرُ إلاَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهَذَا قولٌ لاَ يَقُولُهُ مُسَلِمٌ أَصْلاً، وَلَئِنْ كَانَ حَبَسَهُمْ وَهُمْ غَيْرُ مُتَّهَمِينَ لَقَدْ ظَلَمَهُمْ، فَلْيَخْتَرْ المُحْتَجُّ لِمَذْهَبِهِ الفَاسِدَ بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوايَاتِ المَلْعُونَةِ أََيَّ الطَّرِيقَتَيْنِ الخَبِيثَتَيْنِ شَاءَ، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا ... ».

ثُمَّ قَالَ: «وَقَدْ حَدَّثَ عُمَرُ بِحَديثِ كَثِيرِ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ وَنَيِّفًا عَلَى قُرْبِ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ كَثِيرُ الرُّوَاِيَةِ، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ رِوايَةَ مِنْه إلاَّ بِضْعَةً عَشَرَ مِنْهُمْ» (١).

وَلَوْ سَلَّمْنَا جَدَلاً بِصِحَّةِ الرواية فهناك خلاف في المحبوسين، فالذهبي يذكر ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا مسعود الأنصاري، بينما يذكر ابن حزم - ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا ذر، فهل تَكَرَّرَ الحبس من عمر؟ ولو تَكَرَّرَ لاشتهر ثم إِنَّ حادثة كهذه سيطير خبرها في الآفاق من غير أن تحتمل الشك في المحبوسين، لأنهم من أعيان الصحابة، ولو سَلَّمْنَا أَنَّ العبرة في الحادثة نفسها من حيث حبسه


(١) " الإحكام " لابن حزم: ص ١٣٩ جـ ٢ وما بعدها.