للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي قبل أخبارًا كثيرة برواية مخبر واحد.

وقد سبق أنْ بَيَّنْتُ منهجه في حكمه وقضائه كما ذكره ابن القيم، ولم يذكر أنه كان يطلب ممن يأتيه بالخبر شاهدًا على ما يقول ... وقد قَبِلَ خَبَرَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فِي كَفَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (١).

وأما عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَإِنَّه لَمْ يَطْلُبْ رَاوِيَيْنِ لَكُلِّ خَبَرٍ، وَكُلُّ مَا صَدَرَ عَنْهُ أَنَّهُ اِسْتَشْهَدَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ وَضُوءَهُ، لِيُؤَكِّدُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَضُوءُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ عَمَلَ بِأَخْبَارِ الآحَادِ، فَقَدْ سَأَلَ الفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكٍ بْنَ سِنَانِ أُخْتَ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ عَنْ عِدَّتِهَا لِوَفَاةِ زَوْجِهَا (٢)، وَقَضَى بِخَبَرِهَا.

وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من استحلاف مُخْبِرِيهِ، فَإِنَّ هذا لم يكن منهجه وديدنه في قبول جميع الأخبار، بل قَبِلَ بعض الأخبار من غير أَنْ يستحلف الرُوَاةَ، فَقَبِلَ أخبار أبي بكر - كما ذكر هو نفسه - ولا فرق بين أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وغيره ممن تقبل روايته، كما عمل بخبر المقداد بن الأسود في حُكْمِ المَذْيِ (٣) من غير أنْ يحلفه.

وهكذا يتبين لنا أَنَّ الخلفاء الأربعة لم تكن لهم شروط خاصة لقبول الأخبر، وَأَنَّ كل ما روي عنهم مما يوهم ذلك لا يعدو التثبت والاستظهار، وقد قبلوا أخبار الآحاد كما قبلها غيرهم من عامة الصحابة وعلمائهم. وكل ما صدر


(١) " الإحكام " لابن حزم: ص ١٢ جـ ٢.
(٢) أخرج حديث فريعة أحمد وأصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي والذهلي. انظر " سبل السلام ": ص ٢٠٣ جـ ٣، وانظر " الكفاية ": ص ٢٢ و " الإحكام ": ص ١٥ جـ ٢.
(٣) انظر " مسند الإمام أحمد " ص ٣٩ حديث ٦٠٦ وص ٤٦ حديث ٦١٨، جـ ٢ بإسناد صحيح، و " فتح الباري ": ص ٢٩٤ و ٣٩٤ جـ ١، و " صحيح مسلم ": ص ٢٤٧ حديث ١٧ - ١٩ جـ ١.