للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنهم كان في سبيل المحافظة على السُنَّةِ الطَّاهِرَةِ.

[هـ] ولم يكن التابعون وأتباعهم أقل اهتمامًا من الصحابة بالاحتياط لقبول الحديث، فكانوا يتثبتون من الراوي بكل وسيلة تطمئن إليها قلوبهم، وَإِنَّ من يتتبع تاريخ الرُوَاةِ، وكيفية تحملهم الحديث الشريف ليدرك تَمَامًا جهود التابعين وأتباعهم، تلك الجهود التي بذلوها لنقل السُنَّةِ إِلَى خَلَفِهِمْ. وإليكم بعض أخبارهم في هذا الموضوع:

قِيلَ لِمِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ: مَا أَكْثَرَ تَشَكُّكَ؟ قَالَ: «تِلْكَ مَحَامَاةٌ عَنِ اليَقِينِ» (١).

وكان يزيد بن أبي حبيب مُحَدِّثُ الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتَ الحَدِيثَ فَانْشُدْهُ كَمَا تُنْشَدُ الضَالَّةُ، فَإِنْ عُرِفَ فَخُذْهُ، وَإِلاَّ فَدَعْهُ» (٢).

فلم يكن للتابعين وأتباعهم شروط خاصة في قبول الرواية، ولم يُرْوَ عن أحدهم أنه اشترط لقبول الخبر راويين أو أكثر، بل كانوا يتحملون عن كل من توافرت فيه شروط التحمل والأداء، إلى جانب العدالة التي أجمع عليها المحدثون، فإذا ما سقطت عدالة رَاوٍ طرحوا أخباره وامتنعوا عن الأخذ عنه. ومع هذا كانوا يتثبتون في قبول الأخبار بكل وسيلة تطمئن إليها قلوبهم، لأَنَّ وصايا الصحابة وكبار التابعين لا تزال قائمة في نفوسهم، تذكرهم «أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ».

وكانوا يرون الأمانة في الذهب والفضة أيسر من الأمانة في الحديث (٣)، فَنَسْمَعُ عَنْ سُلَيمان بن موسى أنه لقي طاوسًا فقال له: «إِنَّ رَجُلاً حَدَّثَنِي بِكِيتَ


(١) " المحدث الفاصل ": ص ١٣٢: ب.
(٢) " الجرح والتعديل ": ص ١٩ جـ ١.
(٣) انظر " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ١٦٠: آ.