للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على كتابة الحديث وجمعه في كراريس أو في مصنف كالمصحف (١).

وأما من كان لا يكتب من التابعين وأتباعهم فقد حرص على حفظ الحديث في صدره، وكانوا يتذاكرون الأحاديث بين آونة وأخرى، ويرحلون من بلد إلى آخر ليسمعوا من الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، أو ليتأكدوا من صحة ما سمعوه عن [رَسُولِ] اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيفهموا معناه ويضبطوا حروفه وألفاظه.

ويزيدنا ثقة بأن جل ما رُوِيَ عن رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان بلفظه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، تلك الحوافظ التي وهبها الله - عَزَّ وَجَلَّ - لِحَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ، وَرُوَاةُ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعهمْ، فيروي لنا التاريخ ما كان يحفظه أبو هريرة وغيره، وإن المرء ليعجب عندما يطلع على أخبار صحيحة، تذكر تلك الحوافظ العظيمة التي حملت إلينا السُنَّةَ كذاكرة عبد الله بن عباس الذي اشتهر بسرعة حفظه، حتى إنه كان يحفظ الحديث من مرة واحدة، وَيُُرْوَى أنه سمع قصيدة لابن أبي ربيعة عدتها ثمانون بَيْتًا فحفظها من المرة الأولى، وفي الصحابة أمثاله كزيد بن ثابت الذي حفظ معظم القرآن قبل بلوغه، وتعلم لغة اليهود في سبعة عشر يومًا، وفيهم عائشة أم المؤمنين التي كانت آية من آيات الذكاء والحفظ وغير هؤلاء.

وفي التابعين نافع مولى عبد الله بن عمر الذي لم يخطئ فيما حفظ، وأجمع النُقَّادُ على دقة حفظه، وفيهم ابن شهاب الزُّهْرِي حافظ زمانه، وعامر الشعبي ديوان عصره، وقتادة بن دعامة السدوسي مضرب المثل في سرعة الحفظ والضبط والإتقان.

فإذا طالعنا ما اختلف فيه الرواة من حيث اللفظ، مما تعددت طرقه وجدنا


(١) تعرضت لهذا في الباب الرابع من هذا الكتاب، وفصلت القول فيه.