معظمه مما كان أخبارًا عن عمل من أعماله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو تبليغًا لحكم واقعة شاهدوها بأعينهم، فنراهم يقولون:«أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا»، و «نَهَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَذَا»، والمعنى في كل هذا واحد، وهذا طبيعي لا يدخل الريب في مروياتهم، لاختلافهم في صيغ الأداء، لأن كل رَاوٍ عَبَّرَ عما شاهده بلفظه، ومن النادر أن نرى اختلافًا فيما نقلوه إلينا من جوامع الكلم، أو مما يتعبد بلفظه، كصيغ الأذان والإقامة والدعاء والتشهد وغير ذلك.
وليس جميع ما نقل إلينا مما اختلف لفظه بسبب الرواية بالمعنى، فجله يعود إلى تعدد مجالس الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكثرتها، فقد يتناول موضوعًا وَاحِدًا في مناسبات مختلفة، ويجيب السائلين بما يتناسب مع مداركهم، وقد يستفتيه أكثر من واحد في واقعة واحدة، فيفتي كل واحد بما يكفيه وَيُرْوِي غليله، بألفاظ مختلفة، وعبارات متفاوتة، تؤدي الغاية المقصودة، وما روي بالمعنى مع هذا لا يكاد يخفى على أهل هذا العلم، لكثرة دراستهم حديث الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وللأمانة العلمية التي كان عليها الرواة، فكانوا مَثَلاً رَائِعًا في الضبط والدقة والإتقان، يتبعون بعض ما يَرْوُونَهُ بعبارة تفيد احتياطهم فيما نقلوه، وَيُنَبِّهُونَ في أثناء سياق الحديث على موضع السهو أو الظن، وكانوا يحرصون دائمًا على نقل اللفظ النبوي كما صدر عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -.
بعد هذا لا نرى داعيًا للتهويل الذي يثيره بعض الكُتَّابِ وبعض المغرضين حول رواية بعض الأحاديث بالمعنى، ولا وجه لإثارة خلاف أصبح طَيَّ التاريخ، وكان معظم ما ذهب إليه العلماء من إباحة رواية الحديث بالمعنى وعدم روايته خِلاَفًا عَقْلِيًّا نَظَرِيًّا، وإن وقع تَارِيخِيًّا فإنما وقع في الصدر الأول وبقدر