لا ضرر منه، لذلك نرى أنه من العبث إثارة مثل هذا الموضوع - الذي انصرم أوانه - وتشكيك الأُمَّةِ في حديث رسولها الأمين، وليس هناك أي مسوغ لإدخال الريب في النفوس، بعد أن أجمعت الأُمَّةُ على قبول الكتب الصحاح، وعلى أنها حديث رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذي نُقِلَ إلينا بأسلم الطرق العلمية، على أيدي خيار علماء الأُمَّةِ من الصحابة والتابعين ومن تبعهم.
وقد تناول (أَبُو رَيَّةَ) في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " هذا البحث، إلا أنه أحاط الموضوع بهالة، تُوهِمُ من لا خبرة له بأن معظم الحديث النبوي قَدْ رُوِيَ بألفاظ الرواة (١)، وَجَسَّمَ خطر الرواية بالمعنى، بما لا يتفق والواقع التاريخي، وتحدث عن بعض الخلاف العقلي النظري على أنه مما وقع بالفعل، وَرَتَّبَ على جواز الرواية بالمعنى نتائج، إن صح ترتبها على رواية غير الحديث بالمعنى. لا يمكن أن تنتج عن رواية الحديث
(١) افتتح أَبُو رَيَّةَ موضوعه فقال: «يحسب الذين لا خبرة لهم بالعلم، ولا علم عندهم بالخبرة أن أحاديث الرسول التي يقرؤنها في الكتب، أو يسمعونها ممن يتحدثون بها، قد جاءت صحيحة المبنى مُحْكَمَةَ التأليف، وأن ألفاظها قد وصلت إلى الرواة مصونة كما نطق النبي بها، بلا تحريف ولا تبديل، وكذلك يحسبون أن الصحابة ومن جاء بعدهم، ممن حملوا عنهم إلى زمن التدوين، قد نقلوا هذه الأحاديث بنصها كما سمعوها، وأدوها على وجهها كما لقنوها، فلم ينلها تغير ولا اعتراها تبديل، ومما وقر في أذهان الناس أن هؤلاء الرواة قد كانوا جَمِيعًا صِنْفًا خَاصًّا بين بني آدم في جودة الحفظ وكمال الضبط وسلامة الذاكرة ... ولقد كان ولا جرم لهذا الفهم أثر بالغ في أفكار شيوخ الدين - إلا من عصم ربك - فاعتقدوا أن هذه الأحاديث في منزلة آيات الكتاب العزيز، من وجوب التسليم بها، وفرض الإذعان لأحكامها، بحيث يأثم أو يَرْتَدُّ أو يفسق من خالفها، ويستتاب من أنكرها أو شك فيها». انظر " أضواء على السنة المحمدية ": ص ٥٤. ولا مجال للرد على فريته هذه هنا، وستظهر لنا عناية النُقَّادِ والرواة وضبطهم في الفصول التالية من هذا الكتاب.