للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعلمون (١)، وانتشرت الكتاتيب في مختلف أنحاء الدولة الإسلامية، وغصت بالصبيان، وضاقت بهم حتى اضطر الضحاك بن مزاحم معلم الصبيان ومؤدبهم إلى أن يطوف على حمار ليشرف على طلاب مكتبه، الذين بلغ عددهم ثلاثة آلاف صبي (٢)، وكان لا يأخذ أجرًا على عمله (٣).

وقد ازدادت الحركة العلمية في أواخر القرن الأول، وظهرت الندوات التي تدل على آثار النهضة العلمية، فقد كان «عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي قد اتخذ بيتًا، فجعل فيه شطرنجات، ونردات، وقرقات (٤)، ودفاتر فيها من كل علم، وجعل في الجِدَارِ أوتادًا، فمن جاء علق ثيابه على وتد منها، ثم جر دفترًا فقرأه، أو بعض ما يلعب به فلعب به مع بعضهم» (٥).

فإذا رأينا - بعد ذلك - أن الحديث الشريف لَمْ يُدَوَّنْ رَسْمِيًّا في عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما دُوِّنَ القرآن الكريم - فلا بد لنا من البحث عن السبب الذي أدى إلى عدم تدوينه في عصره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ونحن في بحثنا هذا لا يمكننا أن نستسلم لتلك الأسباب التقليدية التي اعتاد


= ولقد بلغت حلقات العلم في عهد عبد الملك بن مروان درجة عظيمة، فقد رأى في المسجد الحرام حلقات كثيرة لعطاء وسعيد بن جبير ولميمون بن مهران ولمكحول ولغيرهم، فأعجب بهم، وحث أحياء قريش على المحافظة على العلم. انظر تفصيل هذا في " المحدث الفاصل ": ص ٣٥، ٣٦.

(١) ذكر أبو علي أحمد بن عمر بن رسنة كثيرًا من المعلمين في هذا العصر، انظر " الأعلاق النفسية (*): المجلد السابع، صفحة: ٣١٦، ٣١٧ وقد ذكرهم تحت عنوان صناعات الأشراف ... وانظر كتاب " المحبر " حيث ذكر كثيرًا من المعلمين وبينهم بالتفصيل في الصفحات: ٣٧٩ والصفحات: ٤٧٥ - ٤٧٧.
(٢) انظر " معجم الأدباء ": طبعة مصر، ص ١٦ جـ ١٢، وقد توفي الضحاك بن مزاحم سَنَةَ (١٠٥ هـ).
(٣) انظر " الأعلاق النفسية ": ص ٢١٦.
(٤) النردات: جمع نرد، ما يعرف اليوم بالطاولة. وقرقات: جمع قرق وهي لعبة للصبيان.
(٥) " الأغاني ": ص ٢٥٣ جـ ٤.