للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستشهاده بما ذكره الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " لا يجدي نفعًا، لأن الحافظ الذهبي لخص الحالة في القرن الأول، ولم يدرس التدوين دراسة موضوعية تفصيلية، ومع هذا نراه يذكر في تراجم من صنف من العلماء أنهم أول من صنفوا في بلادهم. وليس من المفروض على الذهبي أن يفصل في التدوين لأن " تذكرته " في رجال الحديث، لا في علم الحديث ومصطلحه.

وأما أن أحدًا من الأوائل الذين كتبوا في الحديث وعلومه لم يذكر ما ذكره الجلال السيوطي، فهذا مردود بما كشف عنه بحثنا، فقد ذكر ذلك الرامهرمزي، وَبَيَّنَ سبب كراهة من كره الكتابة في الصدر الأول، وجمع بين أحاديث السماح بالكتابة والنهي عنها. وإذا كان الرامهرمزي لم ينقل إلينا النص كالسيوطي حرفيًا فقد ذكر ما يفهم منه أن بعض العلماء كانوا قد دونوا في القرن الأول (١) كما بَيَّنَ اهتمام عمر بن عبد العزيز بنشر السُنَّةِ والمحافظة عليها (٢)، ووضع الخطيب البغدادي كتابه " تقييد العلم " لعرض سير التدوين في العصر الأول، وَبَيَّنَ كثيرًا مما خفي على الناس، وأثبت أن بعض طلاب العلم وأهله قد مارسوا التدوين في عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعده.

وروى أبو عبيد القاسم بن سلام (١٥٧ - ٢٢٤ هـ) بسنده عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: «لَمَّا اسْتُخْلِفَ عَمْرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، أَرْسَلَ إِلَى المَدِينَةِ يَلْتَمِسُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَاتِ، وَكِتَابَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ... فَنُسِخَا لَهُ» (٣)، فما أظن بعد هذا أن يَدَّعِي إنسان أن أمر عمر بن عبد العزيز لم ينفذ أو لم يؤخذ به، فما ذهب إليه علماء


(١) انظر " المحدث الفاصل ": ص ٧١: آ - ٧١: ب.
(٢) انظر المرجع السابق: ص ١٥٣: آ.
(٣) " الأموال ": ص ٣٥٨، ٣٥٩.