للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينعمان بنعيمها، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يملك إلا ما أرى! فقال له الرسول سلام الله عليه: أما ترضى يا عمر أن يكون ذلك نصيب كسرى وقيصر من نعيم الدّنيا، وتكون لنا الآخرة خالصة من دون الناس؟!

وعند ما أحدق النبيّ صلّى الله عليه وسلم بجيوشه ليفتح مكة قام أبو سفيان إلى جانب العباس عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم ينظران إلى المجاهدين من المسلمين تتقدّمهم الأعلام الكثيرة، وكان أبو سفيان لا يزال على ما كان عليه من المخالفة للإسلام، فراعه ما رأى من كثرة جموع المسلمين ومن انضوى إليهم من القبائل المسلمة، وأنّهم يزحفون على بطحاء مكة كالسيل الجارف لا يصدّه صادّ ولا يمنعه شيء، فقال لصاحبه: يا عباس! إنّ ابن أخيك أصبح ملكا عظيما. فأجابه العباس وهو يرى غير الذي يراه أبو سفيان: ليس هذا من الملك في شيء يا أبا سفيان، هذه نبوّة ورسالة.

وعدي الطّائي «١» ، كان سيد طيىء، وحضر مجلس الرسول صلّى الله عليه وسلم ذات يوم وهو لا يزال على المسيحية، فشاهد إعظام الصّحابة للرسول، وعليهم عدّة الجهاد من الأسلحة واللأمة للدّفاع، فاشتبه عليه أمر النبوة بأمر السّلطان، وتساءل في نفسه: أهذا ملك من الملوك، أم رسول من رسل الله؟ وفيما هو كذلك جاءت إلى النبي صلّى الله عليه وسلم امرأة فقيرة من إماء المدينة، وقالت له: أريد يا رسول الله! أن أسرّ إليك شيئا. فقال لها: انظري في أي سكك المدينة شئت أخل لك. ثم نهض معها، وقضى لها حاجتها. فلما رأى ابن حاتم الطائي هذا التواضع العظيم من الرسول العظيم، وهو بين أصحابه في مثل عظمة الملك، انجلى عنه ظلام الباطل، وتبيّن له الحقّ واضحا، وأيقن أنّ هذا الأمر من رسالات الله، فعمد إلى صليبه، فنزعه عنه، ودخل مع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم في نور الإسلام.


(١) هو عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي، أبوه الذائع الصيت الّذي تضرب به الأمثال في الجود والسخاء، وكان عدي نصرانيا فأسلم سنة تسع، وقد ثبت على الإسلام كما ثبّت قبيلته عليه زمن الردّة، وجاء بصدقة قومه إلى أبي بكر- رضي الله عنه-، شهد فتوح العراق، ثم نزل الكوفة، وتوفي بها سنة ٦٨ هـ، وله ستة وستون حديثا مرويا.

<<  <   >  >>