للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعدن. إنّه لم يدع الناس إلى فضيلة إلا بدأ بها بنفسه. لم تكن دعوته كلمات عذبة يرسلها على الناس، ولكنها كانت عملا يتقدّم به إلى الإنسانية؛ ليكون لها منه أسوة وقدوة.

إنّ دعاة الديانات الآخرى يسمعون الناس مواعظ حلوة من أقوال أنبيائهم، ومصلحيهم. أما دعاة الإسلام فيقدّمون للإنسان أمثلة عملية من سنة نبيهم وهديه. ولذلك كتب الله الخلود لهذه السنة وهذا الهدى، والدّين الإسلاميّ كما يدعو الأمم إلى كتاب الله يدعوها كذلك إلى سنة نبيه الكريم:

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] . إنّ هذا يدلّ على أنّ الرسول نفسه مثال لهذه الدعوة، وحياته حياة مثالية للبشر جميعا، وهذا من خصوصيات الإسلام، فكما سنّ الإسلام للناس القوانين والأحكام، عرض عليهم كذلك حياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلم لتكون مثلا لهم يقتدون بها في حياتهم.

ولذلك كان يقول لهم: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» «١» . وكانوا يتداولون أخباره في آداب المعاشرة مع الأولاد، والأزواج، ويروون قوله صلّى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» «٢» .

ولما وقف بعرفات في حجّة الوداع كان عدد أصحابه من حوله نحو مئة ألف أو يزيدون، فبلغ رسالات ربه الأخيرة، وأعلن فيهم أحكامه، وأبطل بقايا رسوم الجاهلية، ومحا ما بقي عالقا من آثار مفاسدها، واستأصل شرّها، وأزال أسباب الحروب بين الأمة العربية، وأبطل دواعي الملاحم التي لم تكن قبل ذلك تنقطع. لكنّه لما أعلن إبطال دواعي الجاهلية بدأ بنفسه أولا، فقدّم من عمله ما يدعو الناس إلى أن يقتدوا به، فخاطب مئة ألف من العرب الذين شهدوا موسم الحج قائلا لهم:


(١) رواه البخاري عن مالك بن حويرث، في الأذان باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة (٦٣١) .
(٢) رواه الترمذيّ عن عائشة- رضي الله عنها في المناقب باب في فضل أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم (٣٨٩٥) .

<<  <   >  >>