« ... إن معجزة النبى- عليه الصلاة والسلام- الحقيقة والوحيدة هى إبلاغه الناس رسالة ذات روعة أدبية لا مثيل لها، فمن هو ذلك الرجل المكلّف بالمهام الثقيلة العبء وهى حمل النور إلى عرب الحجاز فى أوائل القرن السابع؟ إن محمدا- عليه الصلاة والسلام- لا يبدو فى القرآن إطلاقا، منعما عليه بمواهب تنزهه عن الصفات الإنسانية، فهو لا يستطيع فى نظر معاصريه المشركين أن يفخر بالاستغناء عن حاجات هى حاجاتهم، وهو يصرّح بفخر أنه لم يكن سوى مخلوق فان: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (الكهف: ١١٠) . وهو لم يتلق أى قدرة على صنع المعجزات، ولكنه انتخب ليكون منذرا ومبشرا للكافرين. إن نجاح رسالته مرتبط إذن فى قيمتها الإحيائية وإلى شكلها المنقطع النظير. ولم يكن محمد- عليه الصلاة والسلام- رغم ذلك، صاحب بيان ولا شاعرا، فإن الأخبار التى روت سيرته لم تحسن الاحتفاظ بذكرى مفاخراته الشخصية، وثمة عوامل تحملنا على الشك فيما إذا كان عرف استعمال السجع، أو أنه تلقى من السماء فنّ ارتجال الشعر. وعندما قال عنه المكّيّون المشركون إنه شاعر، أو حين عرّضوا بأن مصدر الوحى جنّى معروف أزال الله عنه هذه التهمة: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (يس ٦٩: ٧٠) ، وهكذا يطرح هذا الوحى البالغ جماله حد الإعجاز، الواثق بحمل الناس بقوة بيانه على الهداية، كظاهرة لا علاقة لها بالفصاحة ولا الشعر» «٢» .