والوئام، وكذلك العلاقات السياسية التى تتبدل وتتغير وفق المصالح. أما الأمر الثانى فهو الرؤى الفكرية تجاه النبى، والتى لم تتغير كثيرا فى الغرب منذ بعثة النبى- صلّى الله عليه وسلم- وحتى التاريخ المعاصر، وكانت فى مجملها رؤى ومواقف معادية وصدامية. إن الأحكام الفكرية لابد وأن تنطلق من الرؤى المشتركة والمستمرة عبر فترات زمنية طويلة، ولا تقاس على ما شذ من الأقوال أو الأفكار. والغرب عبر تاريخه الطويل من المواجهة الفكرية والدينية مع العالم الإسلامى كان دائما يميل إلى الطعن فى شخص النبى، وهو ما لم يتغير عبر قرون طويلة من العلاقة مع الغرب، ولذلك أسباب سيأتى بيانها فى هذا الكتاب.
[هل الغرب كيان فكرى واحد؟]
إن من المهم قبل دراسة الموقف الفكرى الغربى من النبى- صلّى الله عليه وسلم- أن نبين أن الغرب ليس كيانا واحدا فيما يتعلق بالسياسات وطبائع الشعوب، ومواقف الدول من العالم العربى والإسلامى. كما أن الغرب ليس كيانا واحدا أيضا فيما يتعلق باهتماماته الدينية ومدى اقترابه أو ابتعاده عن دعوة ورسالة نبى الله عيسى- عليه السّلام-. فليس كل الغرب متدينا وليس كل الغرب علمانيا أيضا، وهناك فوارق كبيرة بين المدارس والمذاهب الدينية المختلفة داخل المسيحية فى الغرب.
لكن رغم كل هذا التباين والاختلاف فى السياسات والطبائع والتوجهات، إلا أن الغرب يكاد يكون كيانا واحدا عند ما يتعلق الأمر بالجوانب الفكرية المتعلقة بعلاقاته مع الحضارات الآخرى والديانات التى تختلف عن ديانات الغرب. فرغم تعدد المدارس الفلسفية والفكرية فى الغرب، إلا أن هناك قدرا مشتركا وواضحا من المفاهيم الفكرية الأساسية عندما يتعلق الأمر بالرؤى المقابلة حول مستقبل البشرية وهدف الإنسان من الحياة على الأرض. لذلك فإن من الممكن أن يتم الحديث عن الغرب بوصفه كيانا واحدا عندما يتعلق الأمر بالحياة الفكرية الغربية فى مقابل الحضارات الآخرى.