للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذو الفطرة البسيطة حثا موصولا؟ كيف استطاع أن يستهل صراعا كان يبدو يائسا؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات، فى مكة، فى نجاح قليل جدا، وفى أحزان لا تحصى، إذا لم يكن مؤمنا إيمانا عميقا يصدق رسالته؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء، وأن يؤازروه، ويدخلوا فى الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالى إلى مجتمع مؤلف فى كثرته من الأرقاء، والعتقاء، والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا فى كلمته حرارة الصدق؟ ولسنا فى حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك، فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الإجماع على أن صدق محمد- صلّى الله عليه وسلم- كان عميقا وأكيدا» «١» .

«دعا الرسول العربى- صلّى الله عليه وسلم- بصوت ملهم باتصال عميق بربه، دعا عبدة الأوثان، وأتباع نصرانية ويهودية محرّفتين على أصفى عقيدة توحيدية.

وارتضى أن يخوض صراعا مكشوفا مع بعض نزعات البشر الرجعية التى تقود المرء إلى أن يشرك بالخالق آلهة أخرى ... » «٢» .

«.. إن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- طوال سنين الشباب التى تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون، وعلى الرغم من أنه عاش فى مجتمع كمجتمع العرب، حيث كان الزواج، كمؤسسة اجتماعية، مفقودا أو يكاد، وحيث كان تعدد الزوجات هو القاعدة، وحيث كان الطلاق سهلا إلى أبعد الحدود، لم يتزوج إلا من امرأة واحدة ليس غير، هى خديجة- رضى الله عنها- التى كانت سنّها أعلى من سنّه بكثير، وأنه ظل طوال خمس وعشرين سنة زوجها المخلص المحب، ولم يتزوج كرة ثانية، وأكثر من مرة، إلا بعد أن توفيت خديجة، وإلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره. لقد كان لكل زواج من زيجاته هذه سبب اجتماعى أو سياسى، ذلك بأنه قصد من خلال النسوة اللاتى تزوجهن إلى تكريم النسوة المتصفات بالتقوى، أو إلى إنشاء علاقة زوجية مع بعض العشائر والقبائل الآخرى ابتغاء


(١) نفسه، ص ٣٧- ٣٨.
(٢) نفسه، ص ٤٣.

<<  <   >  >>