للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإمارات عدة، تسودها مختلف القبائل البربرية، ولاسيما صنهاجة وزناته ومغراوة، وكانت أعظم ممالكهم مملكة زيري بن عطية الزناتيين وبنيه بعده، وقد استطالت منذ أيام المنصور بفاس، ومعظم أعمال المغرب الشمالي، حتى أوائل القرن الخامس، واستقر بنو يفرن بأعمال الشاطىء في سلا وما يليها، واستقر بنو خزرون المغراويون بدرعة وسجلماسة وأعمالها، وبأنحاء أخرى في أواسط المغرب. واستقرت برغواطة جنوباً بشاطىء المحيط. وهكذا كان المغرب يقدم يومئذ بظروفه وإماراته الصغيرة المتفرقة، فرصة طيبة للطامعين والمتوثبين. وكانت العناصر الناقمة في تلك الإمارات المستبدة، تتطلع إلى أولئك القوم الجدد، الذين يضطرمون بالحماسة الدينية وينادون بالإصلاح، والتزام أحكام القرآن والسنة. ففي سنة ٤٤٤ هـ بعث فقهاء درعة وفقهاء سجلماسة بكتبهم إلى عبد الله ابن ياسين، وإلى الأمير يحيى اللمتوني وأشياخ المرابطين، يشكون ما يقع في بلادهم من ضروب الظلم والعسف، والخروج على أحكام الدين، ويدعونهم إلى إنقاذ المسلمين من هذا النير المرهق. وكانت درعة وسجلماسة يومئذ تحت حكم بنى وانودين من زعماء مغراوة، وأميرهم يومئذ هو مسعود بن وانودين، فجمع عبد الله بن ياسين أشياخ المرابطين وشاورهم في الأمر، فرأوا وجوب قبول الدعوة والسير إلى غوث أهل المدينتين. ففي سنة ٤٤٥ هـ خرج المرابطون من الصحراء على خيولهم في حشد ضخم، وعلى رأسهم عبد الله بن ياسين ويحيى اللمتوني، وقصدوا أولا إلى مدينة درعة فأخرجوا عنها عاملها، واستولوا عليها واستولوا في أرباضها على خمسين ألف من الإبل من أموال أميرها مسعود، ونهض مسعود بن وانودين لرد الغزاة والدفاع عن أراضيه، ونشبت بين الفريقين معركة شديدة، قتل فيها مسعود، وأبيد معظم جنده، واستولى المرابطون على دوابهم وأسلابهم. ثم ساروا إلى سجلماسة، فاقتحموها، وقتل من كان بها من جند مغراوة. وأمر عبد الله بن ياسين بإزالة المنكرات ورفع المكوس الجائرة، وتفريق الأخماس على المرابطين وفقهاء البلدين، وتطبيق أحكام الدين، وندب لحكم سجلماسة عاملا من اللمتونيين، وكانت هذه بداية الفتح المرابطي للمغرب (١).


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ١٨٣. ويضع ابن أبي زرع تاريخ هذه الغزوة في سنة ٤٤٧ هـ (روض القرطاس ص ٨١). وراجع السلاوي في الإستقصاء ج ١ ص ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>