للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا يذكر لنا أبو عبيد البكري، أن عبد الله بن ياسين بعد أن أتم فتح سجلماسة، سار جنوباً وغزا في سنة ٤٤٦ هـ، مدينة أودفست، وهي من أعمال مملكة غانة السوداء، وبينها وبين سجلماسة مسيرة شهرين، وبينها وبين مدينة غانة مسيرة خمسة عشر يوماً. وكان يسكن هذه المدينة خليط من زناتة والعرب، فدخلها المرابطون واستباحوها، وجعلوا جميع ما أصابوا فيها فيئاً (١).

وفي سنة ٤٤٧ هـ توفي الأمير يحيى بن عمر اللمتوني، فعين عبد الله بن ياسين مكانه للقيادة أخاه أبا بكر بن عمر. وكانت الخطوة الثانية في افتتاح المغرب، هي غزو بلاد السوس، ففي ربيع الثاني سنة ٤٤٨ هـ، سار المرابطون نحو جنوب غربي المغرب قاصدين بلاد السوس، وجعل الأمير أبو بكر على مقدمة جيشه ابن عمه يوسف بن تاشفين اللمتوني، وهي أول مرة تقدم إلينا الرواية فيها، عاهل المرابطين العظيم فيما بعد. وبدأ بغزو بلاد جزولة ثم فتح ماسة، ثم سار إلى مدينة تارودنت قاعدة بلاد السوس فافتتحها. وكان بتارودنت طائفة من الرافضة تسمى البجلية نسبة إلى مؤسسها، على بن عبد الله البجلي الرافضي، وكان قد قدم إلى تلك الأنحاء أيام عبد الله الشيعي (أواخر القرن الثالث الهجري)، ونشر بها مذهبه، وهو يتضمن كثيراً من التعاليم المثيرة، فقتل المرابطون أولئك الروافض وارتد من بقي منهم إلى السنة، ودوخ المرابطون بلاد السوس، واستولوا على سائر نواحيها، وعين عبد الله بن ياسين لها عمالا من المرابطين، وأمرهم باتباع العدل والسنة، والاكتفاء بتحصيل الزكاة والأعشار، وإسقاط ما عدا ذلك من المغارم الجائرة.

وعبر المرابطون بعد ذلك جبال الأطلس، وقصدوا إلى بلاد المصامدة، وتوغلوا في جبال درن، وفتحوا وردة وشفشاوة ونفيس، وسائر بلاد منطقة جدميوه، وبايعتهم قبائل تلك الناحية. ثم ساروا إلى مدينة أغمات، وكانت يومئذ لمغراوة، وأميرها لقوط بن يوسف بن علي المغراوى، فضربوا حولها الحصار، ودافع لقوط عن مدينته أشد دفاع، ولكنه لما رأى عبث المقاومة، فر منها في أهله وحشمه تحت جنح الظلام، والتجأ إلى حماية بني يفرن أمراء تادلا. ودخل عبد الله بن ياسين وجنده المرابطون أغمات في سنة ٤٤٩ هـ، وأقام


(١) كتاب المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب المستخرج من كتاب " المسالك والممالك " والمنشور بعناية البارون دي سلان (الطبعة الثانية) ص ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>