بها نحو شهرين حتى استراح جنده. ثم قصد إلى بلاد بني يفرن وهاجم قاعدتهم تادلا واقتحمها، وقتل من بها من بني يفرن، وظفر بلقوط المغراوي فقتله، وكانت زوجه زينب بنت إسحاق النفزاوية قد اشتهرت بحسنها ونبلها، فتزوجها الأمير أبو بكر اللمتوني. وبعد أن نظم عبد الله بن ياسين شئون هذه المنطقة سار إلى تامسنا لمقاتلة قبائل برغواطة.
وكانت هذه القبائل تدين بمذهب تنافي تعاليمه الإباحية أحكام الإسلام، أسسه رجل يهودي الأصل يدعى صالح بن طريف البرناطي نسبة إلى برناط، وهو حصن من أعمال شذونة بالأندلس، ووفد على منطقة تامسنا منذ أوائل القرن الثاني من الهجرة ونشر مذهبه بين أهلها، وهم قوم تسودهم البداوة والجهالة المطلقة، فادعى النبوة وأنه قد نزل عليه قرآن جديد، كان يتلو بعض سوره وزعم أنه المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، وجعل الصلوات خمساً في النهار وخمساً في الليل، والصوم في شهر رجب، وأباح لهم الزواج بأي عدد من النساء إلى غير ذلك. وكثر عدد أنصاره بمضي الزمن حتى أصبحوا أمة كبيرة يطلق عليها برغواطة. وفي بعض الروايات أن برغواطة تنتمي إلى قبيلة زناتة الشهيرة.
ويقول ابن خلدون إنهم من المصامدة من حيث الوطن والجوار، وهم قبائل شتى لا يجمعهم أصل واحد، وإنما هم أخلاط من البربر اجتمعوا إلى مذهب صالح بن طريف (١). وأقام هذا الدعي صالح بن طريف لنفسه رياسة وملكاً في تلك المنطقة، منطقة تامسنا، وشاطىء المحيط الممتد من شمالي أزمور جنوباً حتى آسفي، وتوارث أعقابه وقرابته الملك من بعده. واشتهر منهم في أواخر القرن الثالث أبو غفير محمد بن معاذ بن اليسع بن صالح، واشتدت شوكته وعظم أمره، وكانت له في البربر وقائع مشهورة. وحارب ملوك العدوتين المغرب والأندلس، من الأدارسة وبني أمية والشيعة، قبائل برغواطة، وحاربهم بلكين بن زيري زعيم صنهاجة، حينما غزا المغرب سنة ٣٦٨ هـ، ولقيه أميرهم أبو منصور عيسى بن أبي الأنصاري في قومه، فهزم وقتل، وأمعن بلكين فيهم تقتيلا. ثم حاربهم المنصور بن أبي عامر، وبعث لقتالهم الفتى واضح،
(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٠٩ و ٢١٠، والاستقصاء ج ١ ص ١٠٣.