للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأثخن فيهم. وحاربهم بنو يفرن. وهكذا استمرت قبائل برغواطة، هدفاً للعداء والنقمة، حتى كان ظهور المرابطين في أوائل القرن الخامس.

وكان من الطبيعي أن يتجه المرابطون إلى قتال هؤلاء الأقوام الكفرة الوثنيين.

ومن ثم فقد سار عبد الله بن ياسين، وقائده أبو بكر اللمتوني في جموع المرابطين إلى أرض برغواطه، وكان الأمير عليهم يومئذ أبو حفص بن عبد الله بن أبي غفير ابن محمد بن معاذ، المتقدم الذكر. ونشبت بين المرابطين وبين البرغواطيين وقائع شديدة، أصيب فيها عبد الله بن ياسين الجزولي إمام المرابطين، ومنشىء طائفتهم، بجراح بالغة توفي منها في نفس اليوم. وجمع قبيل وفاته أشياخ المرابطين وحثهم على الثبات في القتال، وحذرهم من عواقب التفرقة والتحاسد في طلب الرياسة. وكان مصرعه في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة ٤٥١ هـ (١٠٥٩ م) ودفن في مكان يعرف بكريفلة أوكريفلت على مقربة من تامسنا، وأقيم على قبره فيما بعد مسجد، وما يزال مزاره قائماً معروفاً حتى اليوم. وفي الحال اتفق رأي المرابطين على اختيار قائدهم أبي بكر بن عمر اللمتوني للرياسة مكان إمامهم المتوفى، وهو اختيار أوصى به عبد الله قبل أن يلفظ النفس الأخير (١)

وكان عبد الله بن ياسين فقيهاً شديد الورع والتقشف، شديد الحمية والتعصب لمذهبه، وقد ألفى في تلك القبائل الصحرية الساذجة، مادة طيبة لبث تعاليمه، واستطاع أن يذكي في نفوس أولئك المرابطين - أتباعه - تلك الحماسة الدينية البالغة، التي حملتهم من الصحراء إلى ربوع المغرب، وعاونتهم على انتزاعها تباعاً من أيدي القبائل الخصيمة. بيد أن عبد الله كان مع شديد ورعه، مشغوفاً بالنساء، يتزوج في كل شهر عدداً منهن ويطلقهن، ويسعى إلى خطبة الحسان أينما وجدن. وكان يأخذ ثلث الأموال المختلفة، وهو إجراء يصفه المؤرخ بالشذوذ (٢).

وقد ذكر لنا أبو عبيد البكري في معجمه " المسالك والممالك " بعض الأحكام الشاذة التي كان يطبقها عبد الله بن ياسين على المرابطين المنضوين


(١) روض القرطاس ص ٨٤. ويضع ابن خلدون تاريخ وفاة عبد الله بن ياسين في سنة ٤٥٠ هـ (ج ٦ ص ٢٠٩).
(٢) روض القرطاس ص ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>