تحت إمامته، وفي مقدمتها أخذه الثلث من مختلف الأموال بحجة أن ذلك يطيب باقيها، وهو مالا تسوغه الشريعة، من أي مذهب، ومنها أن الرجل إذا دخل في دعوتهم، وأبدى توبته على سالف ذنوبه، قيل له أنك ارتكبت في سالف شبابك ذنوباً كثيرة، ويجب أن يقام عليك حدودها، وتطهر من إثمها، فيضرب حد الزاني مائة سوط، وحد المفتري ثمانين سوطاً، وحد الشارب مثلها. وكذلك يفعل المرابطون بمن تغلبوا عليه، وأدخلوه قسراً في رباطهم، وإن علموا أنه قتل قتلوه، سواء أتاهم تايباً طائعاً، أو غلبوا عليه مجاهراً عاصياً. ومن تخلف عن شهود الصلاة مع الجماعة ضرب عشرين سوطاً، وغير ذلك من الأحكام القاسية التي لا تطبعها سماحة الإسلام الحقيقي (١).
- ٢ -
ونستطيع أن نقول إنه بوفاة عبد الله بن ياسين، وقيام أبي بكر اللمتوني مكانه في الرياسة، تبدأ الدولة اللمتونية أو الدولة المرابطية. وهو أبو بكر بن عمر بن تلاكاكين بن واياقطين. وكان أول ما عنى به بعد دفن الإمام، هو متابعة حرب برغواطة، فحشد سائر قواته، وجد في قتالهم، وأثخن فيهم، حتى مزق طوائفهم، وقتل وسبى منهم جموعاً كبيرة، حتى أذعنوا إلى الطاعة وأسلموا إسلاماً جديداً، ونبذوا تقاليدهم الوثنية المثيرة. وجمع ما استولى عليه من الأموال والغنائم، وقسمها بين المرابطين، ثم عاد إلى مدينة أغمات، وأقام بها حتى شهر صفر سنة ٤٥٢ هـ (١٠٦٠ م). ثم غادرها في قوات ضخمة من صنهاجة وجزولة، والمصامدة، وافتتح بلاد فازاز ومكناسة، وسائر أراضي زناتة، ثم سار إلى مدينة لواتة، وكانت بيد بني يفرن فاقتحمها عنوة وخربها وقتل بها خلقاً كثيراً، وذلك في شهر ربيع الثاني سنة ٤٥٢ هـ، وعاد بعدئذ إلى أغمات.
ولبث أبو بكر في أغمات بضعة أشهر أخرى، وعندئذ وفد إليه رسول من بلاد القبلة قاعدتهم بالصحراء، ونبأه باختلاف المرابطين هناك، ووقوع الخلاف
(١) المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، المستخرج من كتاب المسالك والممالك، والمنشور بعناية البارون دي سلان ص ١٦٩.